هل سنشهد “عفوا" عن نور زهير؟
في خضم الجدل المحتدم حول تعديل قانون العفو العام في العراق، يُطرح سؤال ملح: هل ستشمل التعديلات المزعومة المتهمين بقضايا فساد كبرى، مثل نور زهير، المتهم الرئيسي في قضية “سرقة القرن”؟ الجريم التي تم تنفيذها على مرأى من الجميع وفي قلب المؤسسات الحكومية.
في البداية دعونا نضع الأمور في نصابها، فقضية نور زهير ليست مجرد ملف قانوني عابر في سجلات الفساد، بل تمثل للعراقيين تجسيدًا للتلاعب الممنهج بحقوقهم ونهب ثرواتهم، بل هي “أحدث” تجليات الفساد الذي ينخر جسد الدولة العراقية. ونور زهير ومن حوله ليسوا مجرد أفراد، بل شبكة معقدة من الممارسات غير الشرعية، التي ربما يصعب محاسبتها في ظل نظام قانوني قد يقر العفو عنهم.
كالعادة، لم يتأخر السياسيون في إطلاق تصريحاتهم، وظهر العديد منهم ليؤكدوا عدم شمول نور زهير بالعفو العام. بينما من جهة أخرى، خرج النائب باسم خشان ليقول إن القانون قد يشمل المتهم بسرقة الأمانات الضريبية، نور زهير. وهذا التضارب في التصريحات الرسمية يجعل المواطن العراقي يتساءل: هل نعيش في مسرحية، حيث يمكن التلاعب بالقوانين لتناسب أجندات شخصية؟
إن كانت تصريحات السياسيين محل سخرية، فإن حال الشعب لا يستدعي الضحك، بل يجسد مشهدًا أقرب للبكاء. فبينما يعيش المواطن العراقي معاناة يومية للحصول على أبسط حقوقه، يظهر أمامه هؤلاء المتهمون بقضايا فساد كبرى، وقد يجدون منفذًا للهرب من المحاسبة عبر قانونٍ يبرر ما اقترفوه.
يجب أن نكون صريحين هنا؛ قانون العفو العام، في صيغته الحالية، قد يصبح وسيلة لمنح “جواز مرور” للفاسدين، وليس أداةً للتصحيح والمصالحة. في دول كثيرة، يتم تفعيل قوانين العفو في إطار خاص يعفي من العقوبات من ارتكبوا أخطاء بسيطة أو أولئك الذين انحرفوا بشكل طفيف، لكن في العراق، يبدو أن بعض الجهات تريد أن تجعل منه وسيلة لإخراج المتورطين في قضايا فساد من المحاسبة.
إن تمرير تعديلات تتيح شمول المتهمين بقضايا الفساد الكبرى هو اعتراف ضمني بأن الفساد مسموح طالما أمكن الالتفاف على القانون لاحقًا. بل وقد يتحول هذا القانون إلى نوع من “الاستثمار السياسي” لمن يستغلونه لحماية “شبكاتهم” من المتنفذين والمتورطين.
وهنا لك أن تتخيل مشهدًا مثيرًا للسخرية، حيث يعلن البرلمان العراقي العفو عن الفاسدين بدعوى “المصالحة الوطنية”. هل يمكن أن تُحقق المصالحة بترك المجرمين طلقاء وإعادة دمجهم في المجتمع كأبطال؟ العراقيون يرون هذا التوجه على أنه استهتار بهم، وتكرار لدورة الظلم والإفلات من العقاب.
وكما يقال، فإن العبرة بالتاريخ، والعراق ليس أول دولة تواجه مثل هذه القضايا. ففي التاريخ السياسي للدول التي عانت من الفساد، نجد أن القوانين الرادعة وليس العفو هي من أنقذتها. فعلى سبيل المثال، عند النظر إلى تجارب دول مثل إيطاليا ونيجيريا، نجد أن تلك الدول التي عانت من شبكات الفساد المنظمة، لم تحقق تقدمًا إلا بتطبيق العدالة بحزم، وتقديم المتورطين إلى القضاء ليكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه تكرار هذه الجرائم.
إيطاليا، على سبيل المثال، واجهت في تسعينات القرن الماضي واحدة من أسوأ مراحل الفساد السياسي عبر “عملية الأيدي النظيفة”، التي استهدفت السياسيين ورجال الأعمال الفاسدين، وساهمت في محاسبة العديد منهم. ومثل هذه الخطوات القوية تشجع المواطنين على استعادة الثقة بمؤسسات الدولة.
وفي العراق، تبدو معركة محاربة الفساد وكأنها تسير في “دائرة مفرغة”. فالحكومات المتعاقبة تتحدث عن إصلاحات، لكن دون تطبيق فعلي أو مواجهة جادة. وإذا كانت السلطة الحالية تملك الشجاعة السياسية، فعليها أن تبدأ بتطبيق العدالة، وأن تتخذ من قضية نور زهير نموذجًا للردع، لا أن تتحول هذه القضية إلى مثال للإفلات من العقاب.
فلتكن قضية “سرقة القرن” نقطة انطلاق لبناء عراق خالٍ من الفساد. إن المحاسبة ليست أمرًا اختياريًا، بل هي واجب أخلاقي ووطني. لأن التساهل مع الفساد بمثابة إعلان استسلام أمام العصابات والشبكات المتوغلة في مؤسسات الدولة.
في نهاية المطاف، يبقى القول: العفو عن المتهمين بالفساد ليس حلاً، بل هو دعوة صريحة للاستمرار في نهب موارد البلد. وإذا أراد العراق أن يكون دولة قوية ومزدهرة، فلا بد من تفعيل قوانين صارمة تُحاسب المتورطين في الفساد وتُعيد الأموال المنهوبة.
#العفو_عن_الفساد #قانون_العفو #سرقة_القرن #العدالة