أزمة المياه في العراق بين التغير المناخي وضغوط دول المنبع
كتب : المحرر السياسي
يشهد العراق أزمة مائية غير مسبوقة تهدد الأمن الغذائي والحياة الزراعية ومستقبل التنمية في البلاد. فقد تراجعت مناسيب نهري دجلة والفرات إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، نتيجة انخفاض الإيرادات المائية القادمة من تركيا وإيران، إضافة إلى التأثيرات المتصاعدة للتغير المناخي والجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
ووفقًا لتقارير وزارة الموارد المائية، فإن الخزين المائي في السدود والخزانات العراقية انخفض بأكثر من 50% مقارنة بمعدله في السنوات السابقة، ما انعكس سلبًا على الزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية، وأدى إلى تقليص المساحات المزروعة في معظم المحافظات، لا سيما في ديالى والمثنى والأنبار.
وترجع الجهات المختصة أسباب الأزمة إلى عاملين رئيسيين: الأول هو السياسات المائية لدول المنبع، إذ أقامت تركيا سلسلة من السدود ضمن مشروع “غاب”، كما أنشأت إيران سدودًا على عدد من الروافد التي تغذي الأراضي العراقية، الأمر الذي تسبب في تقليص كميات المياه الداخلة إلى البلاد. أما العامل الثاني فيتمثل في التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة التي أدت إلى زيادة معدلات التبخر وتراجع سقوط الأمطار بشكل كبير.
الأزمة المائية انعكست بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حيث تراجعت نسب الإنتاج الزراعي بأكثر من 70% في بعض المناطق، وتسببت بنزوح آلاف الأسر من القرى الزراعية إلى المدن بحثًا عن مصادر دخل بديلة، وسط تحذيرات من تفاقم البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي مواجهة هذه التحديات، أطلقت الحكومة العراقية تحركات دبلوماسية للتفاوض مع دول الجوار بهدف ضمان حصة عادلة من مياه نهري دجلة والفرات وفق القوانين الدولية، إلى جانب مساعٍ داخلية لتطوير أنظمة الري الحديثة وتقليل الهدر المائي. كما تعمل وزارة الموارد المائية بالتعاون مع منظمات دولية على مشاريع لحصاد مياه الأمطار وتحلية مياه شط العرب في البصرة لمعالجة أزمة الملوحة.
ويرى خبراء في شؤون البيئة والمياه أن العراق مقبل على مرحلة “فقر مائي حاد” إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وجادة لحماية الموارد المائية وإعادة تنظيم إدارتها بشكل مستدام، مؤكدين أن السنوات المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الأمن المائي والغذائي للبلاد.