تقرير: محمد الصادق
تُعد القنبلة النووية، هذا الابتكار المدمر الذي ولد من عقل "أب القنبلة الذرية" ج روبرت أوبنهايمر وفريقه في مشروع مانهاتن، نقطة تحول كبرى في تاريخ البشرية فبعد الدمار الذي خلفته في هيروشيما وناغازاكي عام 1945، لم تعد مجرد سلاح، بل أصبحت رمزاً للقوة المطلقة، وورقة تفاوضية لا تقدر بثمن، ومحوراً لصراعات جيوسياسية معقدة.
وبينما كانت رؤية أوبنهايمر تتأرجح بين الفخر بالابتكار والندم على التدمير الذي أحدثه، فإن إرث هذه القوة التدميرية لا يزال يشكل تهديداً وجودياً وصراعاً مريراً، لعل أبرز تجلياته اليوم هو التوتر المستمر بين إيران والكيان الإسرائيلي حول الطموحات النووية لطهران.
الإرث الأوبنهايمري: ولادة سباق التسلح
إن ندم أوبنهايمر، الذي عبر عنه بعبارته الشهيرة من الباغافاد غيتا "الآن أصبحت الموت، مدمر العوالم"، لم يوقف مسيرة انتشار السلاح النووي بل على العكس، فقد دشنت أولى التفجيرات النووية حقبة جديدة من سباق التسلح البارد، حيث سعت القوى العظمى لتطوير ترساناتها لضمان "الردع المتبادل المؤكد".
وفي هذا السياق العالمي الذي بات فيه امتلاك القنبلة النووية مرادفاً للقوة والهيبة والقدرة على حماية المصالح، بدأت دول أخرى، وإن كانت بعيدة عن مسرح الحرب الباردة، تطمح لامتلاك هذه التقنية.
إيران والبرنامج النووي: طموح تحت المجهر
يعود البرنامج النووي الإيراني إلى خمسينيات القرن الماضي بدعم من الولايات المتحدة في إطار برنامج "الذرة من أجل السلام".
ولكن بعد الثورة الإسلامية عام 1979، توقف البرنامج لفترة قبل أن يستأنف، ويثير مخاوف جدية لدى الغرب والكيان الإسرائيلي بشأن طبيعته السلمية.
فبينما تؤكد طهران أن برنامجها مخصص للأغراض السلمية كإنتاج الطاقة وتصنيع النظائر المشعة، يرى الكيان الإسرائيلي والعديد من الدول الغربية أنه غطاء لتطوير أسلحة نووية.
تكمن جذور هذا الصراع في مخاوف الكيان الإسرائيلي الوجودية ففي ظل العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تستند إلى التفوق العسكري النوعي في المنطقة، يُنظر إلى امتلاك إيران لسلاح نووي على أنه تهديد مباشر لبقائها.
فالكيان، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه يمتلك ترسانة نووية غير معلنة، يرى في القنبلة الإيرانية تحولاً في ميزان القوى الإقليمي، وخطراً لا يمكن احتماله. من هنا، تتصاعد الدعوات الإسرائيلية للتحرك العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي يضمن عدم حصول طهران على السلاح النووي.
الصراع المستمر: ضغوط، عقوبات، وتهديدات
شهد العقدان الأخيران تصعيداً كبيراً في هذا الصراع فرضت الولايات المتحدة والقوى الغربية عقوبات اقتصادية شديدة على إيران بهدف إجبارها على التخلي عن أجزاء من برنامجها النووي تم التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة - JCPOA) الذي فرض قيوداً صارمة على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات، وهو ما اعتبره الكيان الإسرائيلي اتفاقاً ضعيفاً لا يلبي مخاوفه الأمنية.
ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 بقرار من إدارة ترامب، عاد التوتر للارتفاع استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم بنسب أعلى، مما زاد من قلق الكيان الإسرائيلي والغرب وتبع ذلك تصعيد في الحرب السرية، شمل هجمات سيبرانية واغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين، والتي تُتهم إسرائيل بالوقوف وراءها.
مستقبل غامض: بين الردع والصدام
إن الصراع حول القنبلة النووية الإيرانية لا يزال في جوهره صراعاً على الردع والأمن الإقليمي بالنسبة لإيران، قد يمثل امتلاك السلاح النووي ضمانة لأمنها ووضعها كقوة إقليمية، خاصة في ظل التهديدات التي تشعر بها من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة.
أما بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فإنه يعتبر امتلاك إيران لقنبلة نووية خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، وقد يدفعها إلى عمل عسكري وقائي.
إن إرث أوبنهايمر، وما تركه من سلاح قادر على محو الحضارات، لا يزال يلقي بظلاله على التوترات الجيوسياسية المعاصرة فبينما تتصاعد المخاوف من سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط، يبقى السؤال الجوهري: هل سيتمكن الدبلوماسيون من احتواء هذا الصراع، أم أن المنطقة ستنجرف نحو مواجهة قد تكون عواقبها كارثية؟