لا شك أن الانتماء القومي شعور إنساني نبيل، وأن التمسك بالمذهب والدين من الحقوق الشخصية التي يكفلها أي نظام ديمقراطي. لكن عندما تتحول هذه الانتماءات إلى جدران فاصلة بين أبناء الوطن الواحد، فإن الثمن الذي يُدفع هو الأغلى على الإطلاق: الوطن.
لقد أثبتت تجارب العديد من الشعوب أن التوظيف السلبي لهذه الانتماءات، سواء كانت قومية أو دينية أو مذهبية، كثيرًا ما استُغل كأداة لتفتيت المجتمعات، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وتحويل بوصلة الانتماء عن الوطن إلى مكونات ضيقة. فلا يمكن لأي دولة أن تنهض أو تواجه تحدياتها المتراكمة ما لم تكن الوطنية هي القاعدة الصلبة التي تُبنى عليها العلاقات والسياسات.
حين يُعامل المواطن وفق انتمائه القومي أو الديني أو المذهبي، وتُهمّش هويته الوطنية، فإن مستقبل البلد يصبح ضبابيًا، وعاجزًا عن مواكبة المتغيرات الداخلية والخارجية. والعراق، على وجه التحديد، عرف عبر تاريخه الكثير من الدعوات التي حملت شعارات قومية أو مذهبية، وغالبًا ما كانت تُدار بدوافع شخصية أو سياسية أو حتى انتخابية. وفي النهاية، يبقى المواطن هو الخاسر الأكبر، والمستفيد الحقيقي هو من يستثمر في هذه الانقسامات لتحقيق مكاسب ضيقة.
اليوم، العراق بحاجة ماسة إلى سياسة واقعية وبرامج عملية تمس الشارع وتعالج همومه الحقيقية. لا يكفي الاعتماد على الشعارات والخطابات، فالحل يبدأ من وعي الفرد وإرادته في تجاوز هذه الانقسامات، والعمل من أجل مشروع وطني جامع.
إن بناء وطن حقيقي يتطلب إرادة صادقة تنطلق من احترام التعدد، والإيمان بالمساواة، وتعزيز روح المواطنة التي لا تميز بين الناس على أساس العرق أو الدين أو الطائفة. فبدون هذه القيم، ستبقى الوطنية مجرد شعار يُرفع دون أن يجد طريقه إلى أرض الواقع