منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل في يونيو 2025، عاد شبح التوتر ليخيّم على منطقة الشرق الأوسط، لا سيما على الدول التي تقع على خطوط التماس بين القوى المتصارعة. ويأتي العراق في صدارة هذه الدول، باعتباره ساحة جيوسياسية معقدة ترتبط بعلاقات حساسة مع كل من إيران والولايات المتحدة، وتحتضن فصائل مسلحة لها ولاءات إقليمية متباينة. ولهذا، فإن تداعيات الحرب الجارية تتسلل إلى الداخل العراقي على أكثر من صعيد، وتهدد بخلخلة استقراره السياسي والأمني والاجتماعي.
وتعد الأراضي العراقية مرشحة بقوة لأن تكون ساحة حرب غير مباشرة بين إيران وأعدائها. إذ إن الفصائل المسلحة الموالية لطهران قد تُستخدم للضغط على الولايات المتحدة أو إسرائيل من خلال هجمات صاروخية أو مسيرات، مما يفتح الباب أمام ردود انتقامية قد تطال مواقع عسكرية داخل العراق. إضافة إلى ذلك، فإن انشغال القوات الأمنية بالصراع المحتمل قد يتيح فرصة ذهبية لتنظيم داعش للعودة إلى المشهد في المناطق الرخوة مثل الأنبار ونينوى. كما أن أي تصعيد قد يدفع بحشود جديدة إلى الحدود مع إيران، الأمر الذي يُربك جهود ضبط الحدود والسيطرة على المنافذ.
فيما تجد الحكومة العراقية نفسها في موقف بالغ الحساسية. فهي مضطرة للحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، إلا أن هذا التوازن يزداد صعوبة كلما تصاعدت الحرب. القوى السياسية المرتبطة بإيران قد تدفع نحو تبني موقف داعم لطهران، في حين تسعى أطراف أخرى إلى تجنيب العراق أي تورط مباشر أو غير مباشر. وقد تنشأ انقسامات سياسية داخل البرلمان وتزيد من هشاشة النظام السياسي، ما ينعكس على فاعلية الدولة في إدارة الأزمة الداخلية.
أما اقتصاديًا، فإن العراق، المعتمد بشكل شبه كلي على صادرات النفط، قد يتأثر سلبًا بأي اضطراب في ممرات النفط الإقليمية، خاصة إذا تعطلت حركة الملاحة في مضيق هرمز، أو حدث خلل في خطوط الإمداد القادمة من إيران وتركيا. كما أن تصاعد التوترات قد يؤدي إلى توقف بعض المشاريع الاستثمارية، ويدفع المستثمرين إلى سحب أموالهم، مما يزيد الضغوط على العملة المحلية ويهدد القدرة الشرائية للمواطن العراقي. كذلك، فإن أي عقوبات دولية جديدة على إيران قد ترتد سلبًا على العراق نظرًا لاعتماده الكبير على الاستيراد منها في قطاعات الطاقة والمواد الغذائية.
ويعيش العراقيون حالة من القلق المتزايد إزاء احتمالية انزلاق البلاد إلى مستنقع صراع إقليمي جديد. المجتمع العراقي بطبيعته منقسم بين قوى موالية لإيران، وأخرى تسعى إلى الحياد، وثالثة ترفض بشكل قاطع أي اصطفاف. هذا التباين قد يؤدي إلى توترات داخلية بين المكونات، ويزيد من الاحتقان الطائفي والسياسي. كما أن أي تطور ميداني قد يخلق موجات نزوح من المدن الحدودية، أو يؤدي إلى تراجع كبير في الخدمات، ويعيد مشاهد الانهيار التي عاشها العراقيون في فترات النزاعات السابقة.