كتب : المحرر السياسي
شهد العراق خلال العقدين الأخيرين انتشاراً واسعاً لوسائط النقل الصغيرة مثل الدراجات النارية و"التكتك"، حتى باتت مشهداً مألوفاً في شوارع المدن الكبرى وأحيائها الشعبية. هذا الانتشار لم يكن وليد ترف أو خيار رفاهي، بل ارتبط بجملة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي دفعت شرائح واسعة من العراقيين، خصوصاً الشباب، إلى الاعتماد على هذه الوسائط كوسيلة رزق أو تنقّل يومي.
من جهة، لعبت البطالة المرتفعة وانسداد أفق فرص العمل دوراً كبيراً في توجه آلاف الشباب لشراء دراجة نارية أو تكتك للعمل عليها كأجرة يومية، إذ لا تتطلب هذه الوسائط رأسمالاً كبيراً ولا تعقيدات قانونية معقدة. وهكذا أصبحت مصدر دخل أساسي لعشرات الآلاف من العائلات العراقية، بل تحولت في بعض المدن إلى شريان اقتصادي يساهم في حركة الأسواق الداخلية.
كما أن التكتك، على سبيل المثال، اكتسب سمعة خاصة في بغداد ومدن الوسط والجنوب، بعد أن ظهر كوسيلة إنسانية خلال أحداث التظاهرات الشعبية، حيث نقل المصابين والجرحى وساهم في مساعدة المحتجين، مما جعله رمزاً طبقياً واجتماعياً إلى جانب كونه وسيلة نقل.
لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل الآثار السلبية لهذا الانتشار غير المنظم. فالأعداد الكبيرة من الدراجات والتكتك، والتي في أغلبها غير مسجلة رسمياً، ساهمت في زيادة الازدحام المروري والفوضى داخل الشوارع الضيقة. كما ارتفعت نسب الحوادث المرورية المرتبطة بها، إلى جانب استغلال البعض لها في أعمال غير قانونية كالمخدرات أو عمليات السرقة، الأمر الذي يثير قلقاً أمنياً مشروعاً لدى السلطات.
منصفاً، يمكن القول إن المشكلة ليست في وجود التكتك أو الدراجة النارية بحد ذاتها، وإنما في غياب التنظيم الرسمي. فلو تم وضع قوانين واضحة للترخيص والتسجيل، وتخصيص مسارات مرورية خاصة، وفرض إجراءات سلامة مثل لبس الخوذة وتأمين المركبة، لأمكن تحويل هذه الوسائط من عبء إلى عنصر فاعل في النقل الحضري، خصوصاً في المدن المكتظة التي تعاني أصلاً من قلة وسائل النقل العام.
الخلاصة أن الدراجات والتكتك في العراق تعكس صورة مزدوجة: فهي في جانب معين وسيلة رزق حقيقية ومنفعة اقتصادية للفئات الهشة، وفي جانب آخر مصدر إرباك مروري ومخاطر أمنية إذا تُركت من دون ضوابط. الحل المنصف يتمثل في تنظيمها ودمجها ضمن منظومة النقل الرسمية، بدلاً من محاربتها أو تركها سائبة بلا رقابة.