كتب : المحرر السياسي
تشهد المدن العراقية في السنوات الأخيرة توسعاً كبيراً في ظاهرة العشوائيات، التي تحولت إلى واحدة من أكثر القضايا العمرانية والاجتماعية إلحاحاً في البلاد. هذه المناطق التي نشأت في الأصل كحلول مؤقتة لسكن الفقراء وذوي الدخل المحدود، باتت اليوم تضم ملايين المواطنين وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، الأمر الذي جعلها عبئاً ثقيلاً على الدولة من الناحية الخدمية والتنظيمية والأمنية.
العشوائيات غالباً ما تُقام خارج نطاق التخطيط الحضري، ما يؤدي إلى مشكلات متراكمة، أبرزها غياب شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، وافتقارها إلى المدارس والمراكز الصحية والخدمات الأساسية الأخرى. ويؤكد خبراء أن غياب الرؤية الاستراتيجية طويلة الأمد وعدم مواكبة النمو السكاني أسهما بشكل مباشر في تفاقم هذه الظاهرة التي تهدد البنية التحتية للمدن العراقية.
في المقابل، تحاول الحكومة ووزارة الإعمار والإسكان وضع حلول بديلة عبر التوجه إلى مشاريع المجمعات السكنية الحديثة، التي تُبنى وفق تصاميم حضرية متكاملة وتوفر وحدات سكنية منظمة مجهزة بالبنى التحتية والخدمات اللازمة من طرق وحدائق ومراكز تجارية وصحية وتعليمية. هذه المجمعات تُعد خياراً عملياً لإعادة تنظيم المدن والتخفيف من الضغط الذي تسببه العشوائيات، فضلاً عن كونها تشكل بيئة أكثر استقراراً وأماناً للعوائل.
ورغم ذلك، تواجه هذه المشاريع تحديات كبيرة، إذ يعاني الكثير من المواطنين من ارتفاع أسعار الوحدات السكنية وصعوبة الحصول على القروض العقارية، إضافة إلى بطء إنجاز المشاريع الاستثمارية، ما جعل الفجوة بين الحاجة الفعلية للسكن والقدرة على التملك تتسع بشكل ملحوظ. كما أن بعض العشوائيات تحولت إلى أمر واقع ترفض العوائل التخلي عنها في ظل عدم توفير بدائل مناسبة أو تعويضات عادلة، الأمر الذي يعقد عملية تنظيمها أو إزالتها.
ويرى مختصون أن الحل لا يكمن في إزالة العشوائيات بشكل سريع فقط، بل يتطلب رؤية شاملة واستراتيجية طويلة الأمد تشمل تشجيع بناء وحدات سكنية منخفضة الكلفة، وتقديم دعم أكبر للقروض العقارية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ مشاريع الإسكان. كما يشددون على ضرورة التعامل مع ملف العشوائيات بطريقة تدريجية، تضمن انتقال السكان إلى مجمعات حديثة دون الإضرار بحقوقهم أو تعريضهم لأزمات اجتماعية جديدة.
وبين العشوائيات التي تتوسع يوماً بعد آخر، والمجمعات السكنية التي تُطرح كحل بديل، يبقى مستقبل الإسكان في العراق رهناً بقدرة الدولة على التوازن بين معالجة الفوضى العمرانية من جهة، وتوفير بيئة حضرية منظمة وملائمة لاحتياجات المواطنين من جهة أخرى، بما يضمن حق السكن الكريم كأحد أسس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.