كتب: المحرر السياسي
في بلادٍ تعاني من كل شيء إلا من فائض الوعود، وبينما تتكدّس ملفات الفقر والجوع والبطالة على طاولات المسؤولين دون أن تُمسّ، ظهر فجأة ملف جديد اسمه: الهام شاهين في العراق!
هكذا ببساطة، تحوّلت مواقع المسؤولين من نشر الصور مع الأرامل واليتامى إلى صورٍ مبتسمة مع الفنانة المصرية، وكأنها نزلت من كوكب المشتري حاملة معها الحل السحري لأزمات العراق… أو على الأقل وصفةً لزيادة التفاعل على فيسبوك!
وزراء ونواب، قادة كتل ومستشارون… كلهم وقفوا طوابير خلف الكاميرات. بعضهم لم يكن يحضر افتتاح مستشفى في أطراف بغداد بحجة “الجدول المزدحم”، لكن فجأة أصبح لديه وقت للقهوة مع “الهام”. نعم، الهام التي زارت العراق فرفعت عنه الغمة، أو هكذا خُيّل لهم.
ونسوا ـ أو تناسوا ـ “أم جاسم”، الأرملة التي تبيع المناديل في تقاطع الكرادة، و”سعاد”، التي تمشي ساعة للوصول إلى أقرب مركز صحي متهالك، و”نور”، الطالبة التي تدرس تحت ضوء شمعة لأن كهرباء “المولد الوطني” لا تعرف طريقها إلى بيتها.
صار من المألوف أن ترى مسؤولا يكتب منشورا عن “أهمية الثقافة والفن في بناء الأوطان” مرفقا بصورة مع الهام شاهين، بينما تمرّ ذكرى وفاة طفلة بسبب الحمى النزفية دون سطر واحد. نحن الآن بلد يُصفّق لصور الإنستغرام أكثر من صفّ الفقيرات والارامل!
بل حتى بعض الأحزاب الإسلامية ـ التي تحرّم الموسيقى وتُشنّف آذاننا بخطب العفّة ـ سكتت دهشة أمام حضور الهام، ولم نسمع منهم سوى همسات إعجاب لم يُسمع مثلها عندما زارتهم نساء الجنوب تطلب مستحقاتهن.
والسؤال: ما الذي أضافته زيارة الهام إلى العراق؟ هل حُلّت أزمة ارتفاع الاسعار؟ هل ارتفعت نسبة التعليم؟ هل رُفعت أكياس الزبالة من الأزقة التي تكدّست فيها الوعود الانتخابية؟
المشكلة ليست في فنانةٍ زارت، بل في سياسيين وجدوا فيها فرصةً للهروب من مسؤولياتهم، وإعادة تدوير صورتهم على طريقة “سيلفي مع النجمة”. وكأن الشعب لا ذاكرة له، وكأن الأرامل لا يشاهدن الفيسبوك.
أينما ذهبت الهام شاهين، فلتذهب معها عدسات السياسيين، فقط اتركونا مع “أم جاسم”… فقصتها أهم من كل هذا الضجيج.
#فقراء_العراق
#هامش_شاهين
#العدسة_قبل_الخدمة