بقلم: قاسم السوداني
في وقتٍ تتسارع فيه الخطى نحو صناديق الاقتراع، تتبدى لنا ملامح مشهد سياسي تتخلله التحديات الكبرى، وتتصاعد فيه وتيرة الاستعداد من قِبل مختلف المكونات.
ففي الإقليم الكردي والمناطق الغربية، شهدنا اندفاعا واضحا نحو تحديث سجلات الناخبين، يعكس رغبة حقيقية في خوض المعركة الانتخابية المقبلة بكل ثقلٍ ووعيٍ وإصرار.
في المقابل، ما زالت محافظات الوسط والجنوب، التي تمثل الثقل الشيعي في البلاد، تعاني من ظاهرة خطيرة تهدد مستقبلها السياسي والاجتماعي: التسقيط المتبادل، والتوصيات الصامتة بعدم المشاركة، ورفع شعارات العزوف واليأس.
ما نشهده اليوم ليس مجرد سباق نحو المقاعد النيابية، بل معركة هوية ووجود، معركة لإثبات أن هذه الجماهير تملك قرارها، وتستطيع، متى شاءت، أن تقلب الطاولة وتعيد رسم خارطة الحكم والقرار. فالعشائر في المناطق الغربية – حتى تلك التي ينتمي بعضها إلى رموز النظام السابق – خرجت بكاملها لتحدّث سجلاتها وتعلن استعدادها للمشاركة الشاملة، وفي ذلك رسالة سياسية لا يجب أن تمر مرور الكرام.
وهنا، لا بد أن نتوقف عند تجربة مقاومة أخرى قريبة من قلوبنا ووجداننا، تجربة شعب لبنان المقاوم، الذي ورغم الجراح المفتوحة والخسائر الجسيمة، خرج في مشهد مهيب إلى صناديق الاقتراع، فحصد ما حصد، وحقق فوزا مدويا بلغ 92 مقعدا من أصل 125، متحديا منظومة سياسية تميل إلى التطبيع وتدور في الفلك الأمريكي. كان الرد الشعبي واضحا: بالتصويت، لا بالشعارات، يُصنع التغيير وتُهزم المؤامرات.
فهل نتعلم من تلك التجربة؟ هل نُحسن استثمار إرثنا التاريخي والحضاري الذي يمتد من ملحمة كربلاء إلى ساحات النضال الحديثة؟
إننا في لحظة فاصلة، تتطلب من كل محب لأهل البيت (عليهم السلام)، ومن كل غيور على مذهبه وهويته، أن يسارع لتحديث سجله الانتخابي، ويعد العدّة ليوم الاقتراع. إن صوتكم ليس رقما عابرا، بل موقف، ورسالة، وبصمة في مسار التغيير.
أليس من العار أن نوحد صفوفنا في محرم وصفر ونهتف “هيهات منا الذلة”، ثم نتخاذل عندما تحين لحظة اتخاذ القرار؟ ألم نتعلم من عاشوراء أن السكوت على الباطل جريمة، وأن عدم النصرة خذلان؟
لنحوّل حشود العزاء إلى طوابير اقتراع، ولنجعل من “كربلاء” شعارا في الصندوق كما هو في الشارع. فلنصوّت نصرة للمبدأ، ودفاعا عن المشروع، وتحصينا للمذهب، وانتصارا لكل من حمل السلاح دفاعا عن الأرض والعِرض، ولكل من قدّم شهيداً ليبقى العراق.
ولنصم آذاننا عن الأصوات المثبّطة التي تروّج للمقاطعة، فما جلبت هذه الدعوات سوى المزيد من الفساد، والمزيد من الهيمنة على القرار الشيعي.
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولن نغيّر واقعنا ما لم نمارس حقنا ونُعبّر عن إرادتنا.
هي دعوة صريحة.. إلى كل شريف، إلى كل مؤمن بقضيته، إلى كل من ما زال يهتف “أبد والله لا ننسى حسينا”:
اجعلوا من صناديق الاقتراع كربلاءكم الجديدة، وامنحوا صوتكم لمن يستحق أن يكون ممثلاً لدم الشهداء.
فبكم وحدكم، وبوعيكم، سنصنع التغيير.