تقرير: ابتهال الدراجي
منذ إصدار القرار الحكومي بفصل إدارة المطارات عن شركة الملاحة الجوية، يواجه أكثر من 1041 موظفا عراقيا أزمة إنسانية حقيقية، بعد أن تحوّلوا من كوادر في شركة رابحة بتمويل ذاتي، إلى موظفين بلا رواتب، بلا تصنيف وظيفي واضح، وبلا جهة تتحمل مسؤولية حقوقهم المالية.
بين مطرقة وزارة النقل وسندان وزارة المالية، يتكشّف يوميا حجم التخبط الإداري في واحدة من أخطر الأزمات التي تطال شريحة كبيرة من موظفي الدولة في قطاع حساس كقطاع الطيران المدني.
في عام 2024، وافق مجلس الوزراء بناءً على توصية من وزارة النقل، على فصل شركة “إدارة المطارات” عن شركة “الملاحة الجوية”، وتم تحويل ملاك موظفي الإدارة بالكامل إلى وزارة النقل.
لكن ما لم يكن بالحسبان، أن هذه الخطوة لم تُرافق بخطة مالية أو تنظيمية واضحة، وتوقفت رواتب الموظفين منذ تنفيذ القرار.
أحمد عبود، موظف في مطار بغداد الدولي منذ 18 عاما، يقول:
“نحن نعيش أسوأ فترة في حياتنا. لم نتقاضَ رواتب منذ شهور، ولدينا التزامات عائلية. كنا نعمل في شركة رابحة تغطّي رواتبنا من إيرادات المطارات، واليوم أصبحنا بلا مصدر دخل بسبب قرار غير مدروس”.
اما نجلاء فالح، الموظفة في إدارة مطار البصرة، تقول:
“نشعر أننا تم الاستغناء عنا بطريقة غير إنسانية. قرارات سريعة تهدّ كيانا ناجحا فقط من أجل تسهيل دخول شركات استثمارية. لكن ماذا عن مستقبلنا؟ من يضمن لنا حقوقنا؟”
ويوضح المحامي حسام الراوي، المختص بالقانون الإداري:
“قرار فصل الإدارة عن الشركة الأم دون ضمان الحقوق المالية والإدارية للموظفين، يُعتبر مخالفا للدستور العراقي، وخاصة المادتين (16 و 22) اللتين تضمنان حق العمل والحماية من التعسف الوظيفي. يمكن الطعن بهذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري، وهناك دعوى قائمة منذ يناير لكنها لم تُبت حتى الآن”.
فيما يقول الدكتور كاظم الركابي، أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد:
“شركة إدارة المطارات كانت تدرّ دخلا شهريا يصل إلى أكثر من 20 مليار دينار. الحديث عن تحويلها إلى الاستثمار هو في حقيقته خصخصة مقنّعة لأصول الدولة، والكارثة أن الرواتب توقفت بينما الإيرادات مستمرة! كيف يعقل أن تذهب الأرباح لمستثمرين أجانب، والدولة تتحمل رواتب الموظفين؟ هذه معادلة مقلوبة تماما”.
وبحسب مصادر خاصة لوكالة بغداد الإخبارية، فإن القرار جاء نتيجة ضغط شركات استثمارية أجنبية تسعى للدخول إلى السوق العراقية عبر إدارة المطارات، وقدمت عروضها بالفعل يوم 24 أيار، ومن المرجّح توقيع العقود رسميا في بداية حزيران.
ويخشى الموظفون من أن يكون الهدف الحقيقي هو “إفراغ المؤسسة” من موظفيها الحاليين حتى تُسلّم للمستثمر “جاهزة من دون التزامات”.
الموظفون في الشركة نظموا وقفة احتجاجية طالبوا فيها بعدة امور منها:
1. صرف الرواتب المتأخرة فورا.
2. إعادة النظر في القرار وإلغاؤه أو تعديله.
3. فتح تحقيق شفاف في خلفيات القرار والجهات المستفيدة.
4. وقف أي اتفاقيات استثمارية حتى ضمان حقوق الكوادر الوطنية.
الذي يحدث اليوم هو انهيار لثقة الموظف بالدولة، واستبدال منظومة رابحة بآليات مشبوهة وغامضة. لا توجد دولة في العالم تُفكّك مؤسساتها الناجحة بهذه الطريقة، ولا توجد حكومة تُصدر قرارات تُجوع بها آلاف المواطنين دون دراسة أو بدائل.
الحكومة مدعوة للتراجع، والمحاسبة، وإنصاف الموظفين قبل أن تتحوّل الأزمة إلى مواجهة مفتوحة مع الشارع.