كتب: المحرر السياسي
لم يَعُدِ السلاحُ في العراقِ أداةً بيدِ الدولةِ لحمايةِ المواطنين، بل صارَ في كثيرٍ من الأحيانِ خصما لهم، مسلوبا من قبضةِ القانون، مشرعا في أيدي العابثين، متروكا بلا حسيبٍ أو رقيب.
مشهدٌ فوضويٌّ يعيد حوادثُ القتلِ اليوميةِ رسمَهُ بدماءِ الأبرياءِ الذين يدفعونَ ضريبةَ الانفلاتِ الأمنيِّ، وسطَ صمتٍ يُثقلُ الدولةَ العاجزةَ عن كبحِ جماحِ هذا الطاعونِ الذي يفتكُ بالمجتمع.
*رصاصٌ بلا هوية… وجرائمُ تُقيَّدُ ضدَّ مجهول*
لم يكن اغتيالُ الدكتور ليث الساعدي الأسبوعَ الماضي سوى حلقةٍ جديدةٍ في مسلسلِ الدمِ الذي تُنتجُهُ الفوضى المسلحة. فالرجلُ الذي قضى برصاصِ الغدرِ لم يكن يحملُ سوى علمهِ وقلمه، لكنه وقعَ ضحيةَ فوهةِ بندقيةٍ لا تميّزُ بينَ جانٍ وبريء. وكما في عشراتِ الجرائمِ التي سبقتها، خرجَ القتلةُ من مسرحِ الجريمةِ كما دخلوا، لا رادعَ لهم، ولا عدالةَ تلاحقُهم، في بلدٍ صارَت فيه الحياةُ تُزهقُ بلمسةِ زناد.
الأسلحة تنتشرُ بينَ الأفرادِ والعشائرِ والجماعاتِ كأنها سلعةٌ عادية، تُباعُ وتُشترى، تُستخدمُ في خصامٍ عابرٍ كما في تصفيةِ الحساباتِ، تُهدّدُ السلمَ الاجتماعيَّ كما تُزعزعُ ثقةَ المواطنِ بقدرةِ الدولةِ على حمايتِه. فالدولةُ التي يُفترضُ أن تكونَ صاحبةَ القرارِ في ضبطِ السلاحِ تجدُ نفسَها أضعفَ من أن تواجهَ واقعا صُنعَ خلالَ سنواتٍ من الحروبِ والصراعاتِ، حتى أصبحَ السلاحُ لغةً بديلةً عن القانون، وفصلاً قاطعا لأيِّ خلافٍ مهما كانَ صغيرا.
ما بينَ سلاحٍ عشائريٍّ يُستخدمُ في نزاعٍ على قطعةِ أرض، وآخرَ بيدِ عصاباتٍ تستبيحُ الشوارعَ لحسمِ خلافاتِها، تتزايدُ الجرائمُ دونَ رادع. لا تكادُ تمرُّ أيامٌ حتى يُعلَنَ عن جريمةِ قتلٍ جديدة، شبابٌ يسقطونَ برصاصِ “الخلافاتِ العائلية”، أكاديميونَ يُغتالونَ في وضحِ النهار، مدنيونَ يُقتلونَ بسببِ مشادةٍ عابرة، حتى باتَ حملُ السلاحِ جزءا من ثقافةٍ تُهدّدُ بانفجارٍ اجتماعيٍّ قد لا تُحمدُ عواقبُه.
*الدولةٌ بينَ خيارين… هيبةُ القانون أو قانونُ الغاب*
أن تُتركَ الأسلحةُ بأيدي الناسِ يعني أن تتحوّلَ البلادُ إلى غابةٍ يحكمُها الأقوى، حيثُ لا مكانَ للعدالةِ، ولا صوتَ إلا لصوتِ الرصاص. والمفارقةُ أنَّ الحلَّ ليسَ عصيا، لكنه يحتاجُ إلى إرادةٍ سياسيةٍ وقوةِ تطبيقٍ لا تعرفُ المساوماتِ ولا المجاملات. فإمّا أن يُحسمَ هذا الملفُّ بحملةٍ حقيقيةٍ لنزعِ السلاحِ غيرِ الشرعيِّ، وإما أن يستمرَّ النزيفُ بلا نهايةٍ، حتى يُصبحَ الموتُ على قارعةِ الطريقِ مشهدا عاديا لا يُثيرُ حتى الدهشة.