كتب: المحرر السياسي
ما إن هدأت السماء بعد زخة مطرٍ ثقيلة حتى سالت تحتها مآسٍ وأخطاء، فضحت من توهموا أن كراسي المسؤولية مظلاتٌ تقيهم من الحساب. فلا الأمطارُ رحِمَت شوارع بغداد، ولا الكهرباء أشفقت على بيوت العراقيين، فكان السقوطُ مزدوجًا: أعمدةٌ انهارت تحت شدة المطر، ومدراءُ عامون انهاروا تحت شدة التقصير.
جلسة مجلس الوزراء، يوم أمس، أطاحت بسبعة مدراء عامين؛ ثلاثةٌ منهم في أمانة بغداد، أربعةٌ في وزارة الكهرباء، والسببُ واحد: الإخفاق، التقييم المتدني، والفشل في احتواء أزماتٍ لا يُعذر فيها تقصير، ولا يُغتفر فيها تهاون.
فيما رفع المجلس سيفَ المراجعة والتدقيق، مثبتا (17) مديرا عاما في مناصبَهم، لكن التثبيت لم يكن ختماً أزليا، بل ربطه بمقصلة التقييم الدوري، فأما التقدم، وإلا فالسقوط الحتمي كما حدث لسابقيهم.
وبعيدا عن عواصف المطر، لم يكن قطاع الطاقة بأفضل حال، فالموافقة مُنحت لمشاريع الكهرباء، لكن بقواعد جديدة تعفيها من بعض التعليمات لتسريع التنفيذ، على أمل ألا تتكرر ليالي الظلام التي أفسدت صيام العراقيين، وجعلت الفجر باردا في قلوب المتذمرين.
وفي كركوك، حيث تحت الأرض نفطٌ يروي طموح الشركات العالمية، جاء التخويل لتوقيع عقد مع شركة BP البريطانية لتطوير الحقول، فيما وافق المجلس على إحالة مشاريع الغاز وخطوط الأنابيب لشركات أجنبية أخرى، في مشهد يؤكد أن العراق هو كنز الشركات العملاقة، لكن بأيدٍ أمينة تُراقب أين تذهب الثروة، وأيُّ منفعة تعود للشعب.
وفي مسار تعظيم الإيرادات غير النفطية، تحركت الحكومة بخطواتٍ تعديل بدلات إيجار عقارات الدولة، فرض الضرائب على الجامعات الأهلية، وتطبيق الجباية الإلكترونية، قراراتٌ تضع الدولة أمام اختبار جديد، فإما ضبط الفساد، أو ضياعُ جهود الإصلاح بين أوراق التواقيع والتنفيذ الهش.
وبينما انشغل مجلس الوزراء في ترتيب الملفات الثقيلة، فتم إقرار تخصيصات صندوق الإعمار، وتحديد المناطق الأكثر احتياجا وفق مسح اقتصادي حديث، لتبقى هذه الخطط على المحك، بين وعود الحكومات السابقة التي ذهبت مع الريح، وإرادةٍ حقيقية تنتظر أن تتحول إلى واقعٍ ملموس.
فهل تكون هذه القرارات بداية مسارٍ جديدٍ يُعيد للدولة هيبتها، أم تبقى مجرد عناوين كُتبت على ورق المراسيم، فيما الفساد كالمطر، يتساقط على رؤوس العراقيين، لكن بلا غيثٍ يُنبت لهم أملاً؟