كتب: المحرر السياسي
في مشهد جديد من مشاهدِ التخبّطِ الإداريّ، أشعلت وزارةُ النقلِ فتيلَ الأزمةِ عندما قرّرتْ إجراءَ تغييراتٍ في المناصبِ الإداريةِ داخلَ الخطوطِ الجويةِ العراقية، في خطوةٍ وصفتها بأنّها “إصلاحيةٌ” تهدفُ إلى تحسينِ أداءِ الشركةِ الوطنيةِ الأولى للنقلِ الجوي. لكنَّ هذه الخطوةَ لم تمرَّ دونَ ردودِ فعلٍ مضادة، حيث سارعتْ سلطةُ الطيرانِ المدنيِّ إلى الاعتراضِ، مؤكدة، أنَّ التغييراتِ لم تتمَّ وفقَ السياقاتِ القانونيةِ والإداريةِ المعتمدة، ما وضعَ القرارَ الحكوميَّ في مواجهةِ تشكيك رسمي بجدواهُ وشرعيتِه.
لم تتأخرْ وزارةُ النقلِ في الردِّ على سلطةِ الطيرانِ المدني، حيث أصدرتْ بيانا أكّدتْ فيه أنَّ قراراتِها تستندُ إلى صلاحياتِها القانونيةِ ومسؤولياتِها المباشرةِ عن إدارةِ الخطوطِ الجويةِ العراقية، مشددة على أنَّ التغييراتِ تأتي ضمنَ خطّةٍ لإعادةِ الهيكلةِ وتحسينِ الأداءِ الإداريِّ والتشغيلي.
لكنَّ المفارقةَ أنَّ إدارةَ الخطوطِ الجويةِ العراقية، التي كانت المستهدفةَ بالتغييراتِ، لم تصطفْ إلى جانبِ وزارةِ النقل، بل سارعتْ إلى تأييدِ اعتراضاتِ سلطةِ الطيرانِ المدني، ما جعلَ الأزمةَ تبدو أكثرَ تعقيدا، وكأنَّنا أمامَ صراعِ نفوذ بينَ جهات رسمية تتنازعُ على إدارةِ مؤسسة وطنية يفترضُ أن يكونَ هدفُها الأولُ خدمةَ المسافرينَ لا الانشغالَ بصراعاتِ الصلاحيات.
وإذا كانَ الخلافُ الدائرُ يُعزى إلى تفسيرِ الصلاحياتِ وحدودِ التدخلِ بينَ وزارةِ النقلِ وسلطةِ الطيرانِ المدني، فإنَّ الأعمقَ من ذلكَ هو ما يدورُ خلفَ الكواليسِ من صراعاتٍ تتجاوزُ الإطارَ الإداريَّ إلى مصالحَ وحسابات شخصية وسياسيّة، تجعلُ من الخطوطِ الجويةِ العراقيةِ ساحةً لصراعاتِ النفوذِ بدلا من أن تكونَ مؤسسة وطنية خدمية خاضعة لمنظومةِ إدارة موحدة ورؤية إصلاحية حقيقية.
في خضمِّ هذه الفوضى الإدارية، يبقى المواطنُ العراقيُّ المتضررَ الأكبرَ، حيثُ تتواصلُ معاناتُه مع الحجوزاتِ المؤجلةِ، والخدماتِ المتراجعةِ، والتأخيراتِ المتكررةِ، فيما تستمرُّ المؤسساتُ المعنيّةُ في إدارةِ أزماتها الداخليةِ بدلا من التركيزِ على تطويرِ هذا المرفقِ الحيويِّ الذي يُعدُّ بوابةَ العراقِ الجويةَ إلى العالم.