بقلم: زهرة شنان رمضان
إن الحاجة إلى إقتصاد رقمي في العراق ليست وليدة اللحظة حيث أن فوائده تجسدت بوضوح أمام الجميع أبان الجائحة في دعم النظم الاقتصادية للدول والحفاظ على موقعها على خريطة الاقتصاد العالمي، في حين أن التطور في المجتمعات الريادية في بلدان فتية مثل العراق تواجه الصعوبات والتحديات، وهنا يجب أن نضع نصب أعيننا حقيقة إن المجتمع الريادي العراقي لا يزال في بداياته، ومن اجل تشكيل رؤية شاملة للفرص المستقبلية في ظل توسيع آفاق الاقتصاد الرقمي في السياق العراقي، سوف نأخذ في هذا المقال لمحة خاطفة عن الوضع الحالي للعراق وموقعه على خريطة الاقتصاد العالمي.
الاقتصاد الرقمي المفهوم في السياق العراقي
يُشير الاقتصاد الرقمي بحسب شركة كابيتا - و هي شركة رائدة لتطوير القطاع الخاص - إلى الأنشطة والمعاملات والتفاعلات الاقتصادية التي تُتيحها التكنولوجيات الرقمية، بما في ذلك الإنترنت وأجهزة الحوسبة وتطبيقات البرمجيات والبيانات.
وفي السياق العراقي يقف نمو الاقتصاد الرقمي على أمكانيات كبيرة لما يمتلكه الجيل الحالي من الشباب من الخبرات البشرية في مجال التكنولوجيا والوصول الى الانترنيت التي تؤهله لتحقيق الإنجازات على الصعيدين المحلي والعالمي.
المتحدث الرسمي بإسم الوزارة عبدالزهرة الهنداوي ، صرح بأن (86٪) من العراقيين ممن تزيد اعمارها عن (5) سنوات يستخدمون الهاتف النقال، مشيراً الى ان نسبة استخدام الهاتف لدى الذكور تصل الى (90٪)، مقابل (81٪) من الاناث وجائت تلك النسب من مسح لإستخدام تكنلوجيا المعلومات والاتصالات للأسر والافراد لسنة 2022 أجراه الجهاز المركزي للإحصاء.
الاقتصاد الرقمي المفهوم في السياق العالمي
تأتي أهمية الاقتصاد الرقمي كمفهوم في السياق العالمي من مؤشرات المؤسسات المتخصصة الدولية، حيث تتوقع هذه المؤسسات إلى أن مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج الإجمالي العالمي يساهم بنحو 26% من الناتج الإجمالي العالمي في عام 2026، بحسب تقديرات البنك الدولي.
أمسى الاقتصاد الرقمي عنصراً أساسياً للنمو المستدام لدول العالم، حيث شكلت استراتيجيات مواكبة التحول الرقمي تحدياً ذو أولوية فائقة لدى كثير من دول العالم لضمان الاستقرار الاقتصادي.
الوضع الحالي للاقتصاد الرقمي في العراق
عانى العراق من إنكماش إقتصادي بنسبة 2.2% خلال العام 2023، مسجلاً تحسناً ملحوظاً في العام 2024 بنسبة 1.4%، بحسب صندوق النقد الدولي، متوقعاً، أن يقفز معدل النمو في العام المقبل إلى 5.3% في بياناته اللاحقة.
وإستندت هذه التوقعات على إستمرارية زخم النمو للإقتصاد غير النفطي خلال العام، يأتي ذلك وسط إفتراضات الاستقرار للنمو غير النفطي في حدود 2.5% نظراً للعقبات التي تحد من تنمية القطاع الخاص في العراق.
الاقتصاد الرقمي هو المفتاح الأساس لنمو الإقتصاد غير نفطي في العصر الحالي، وفي هذا السياق، يؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، في تصريح له لوكالة INA على أن " المنهاج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ركز على مبادئ عمل إصلاحية في الإدارة العامة، والتي أخذت اتجاهين أساسيين، هما القضاء على ظاهرة الفساد بشكل عام والفساد النظمي بشكل خاص، وهو الفساد الأخطر الذي يسهم به أكثر من مفصل داخل الجهاز التنفيذي، والاتجاه الثاني يتمثل في تعظيم إيرادات الدولة غير النفطية وجعل نسبتها في تقديرات الموازنة العامة الاتحادية بما لايقل عن 20% بدلاً من نسبها المتدنية بنحو 10% أو حتى أقل، ذلك لضمان الأهداف ضمن سنوات الإصلاح الجارية".
وأضاف صالح، أن "الأجهزة الإيرادية غير النفطية والتي تتصدرها اليوم، الهيئات الجمركية والضريبية والمنافذ الحدودية وغيرها، هي في مقدمة توجهات الإصلاح المالي والإداري، فعلى مستوى المؤشرات الدولية هناك ثلاثة عناصر تحبط بالغالب مجهودات الدول في التصدي للفساد المالي والإداري وتتلخص بالآتي: أولهما، التعامل بالمعاملات الورقية مع الجمهور والتواصل البشري المباشر، والثاني: التعامل النقدي المباشر في تسوية الجبايات وغيرها وما يولد من مخاطر في السلوك، والثالث: غياب الأنظمة الرقمية في تسيير المعاملات دون تدخل بشري".
وتابع صالح :"وبناءً على ما تقدم، وبغية تحقيق هدف البرنامج الحكومي في الإصلاح وإحلال النظم الرقمية في التعاطي مع الأجهزة الإيرادية غير النفطية، فإن برنامجاً رقمياً دقيقاً يجرى اعتماده بشكل متسارع تعتمده الحكومة اليوم، ويستند على التقدير والفحص والجباية الإلكترونية دون تدخل بشري مباشر وعلى وفق أنظمة رقمية متطورة تتم بالخبرات الوطنية الرصينة وبالتعاون مع كبريات الشركات الرقمية الدولية، إضافة إلى خبرات منظمة الأمم المتحدة للتنمية والتجارة ولاسيما في قطاعات التطوير الرقمي في المنافذ الحدودية والجمارك والضرائب، وبهذا سيكون العراق في مطلع العام 2024، قد دخل العصر الرقمي المتقدم بشكل متسارع وسيكون هنالك إعلان رسمي كبير بهذا الشأن".
الفرص المتاحة في الاقتصاد الرقمي العراقي
ولفت المستشار المالي للحكومة إلى أن "إحلال أنظمة المدفوعات وإشاعة التعاطي الرقمي، هي ابتداءً من الجباية الحكومية الرقمية وانتهاءً في المدفوعات الكبيرة والصغيرة داخل النشاط الاقتصادي، والتي ستتوج العصر الرقمي الجديد للعراق"، منوهاً بأن "التسارع في استخدام المدفوعات الإلكترونية يعد واحداً من ضمانات العمل المصرفي وسلامة ورصانة عملياته، ذلك بسبب انخفاض ما يسمى (مخاطر السيولة) لدى الجهاز المصرفي لمعرفته بالتدفقات والأرصدة اليومية وبشكل مستمر دون توقف، ما يجعل المصارف تتعامل مع (دوال) طلب نقدي مرنة غير منكمشة بالسيولة أو التحسب لفقدانها، أي دون توافر معلومات كافية بسبب ارتفاع حالة اللا يقين، وهي الصفة السائدة عند غياب أنظمة المدفوعات الرقمية والتي تعطل في الوقت نفسه والحاجة إلى التمويل المتسارع لإسناد النشاط الاقتصادي".
وأكد أن "مثل هذه الظواهر ستختفي جميعاً بلا شك في النظام المصرفي الرقمي، وتنخفض مخاطر السيولة النقدية لارتفاع مستويات اليقين في تدفق الأموال التي توفرها النظم الرقمية في المعاملات مابين الجمهور من جهة والجمهور والمصارف من جهة أخرى، ذلك في إطار تسيير نظام مدفوعات رقمية شديد الحوكمة والشفافية المالية ويلبي احتياجات تنامي قطاع الأعمال الاقتصادية دون شكوك وتردد تفرضها مخاطر السيولة بسبب نقص المعلومات".
وأشار إلى أن "ثمة ترابط بين الشمول المالي الذي يعني إيصال الخدمات المصرفية إلى أضعف شرائح المجتمع الاقتصادي وتطور المدفوعات الرقمية، إذ يتضمن إحلال المدفوعات الرقمية توسعة أعداد الحسابات المصرفية والارتقاء بها، ويمثل فتح الحساب المصرفي جوهر الشمول المالي الرقمي، إذ يلحظ مع تطور سوق المدفوعات الرقمية في العراق فإن ظاهرة تعاظم فتح الحسابات المصرفية قد تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل لافت وبعشرات الآلاف من الحسابات المصرفية التي أخذت تفتح يومياً وبشكل مستمر وعلى حسب ما صرحت به رابطة المصارف الخاصة قبل أيام، ما يعني أن الجهاز المصرفي العراقي في حركة تغيير وتطوير متسارعة تتناسب والعصر الرقمي الجديد للعراق الذي أرسى مبادئه البرنامج الحكومي الحالي".
تأثير الاقتصاد الرقمي على التوظيف
يساهم الاقتصاد الرقمي في توفير بيئة متكاملة للعمل عن بعد من خلال استخدام تكنولوجيا الاتصالات في تعزيز الاقتصاد الرقمي حيث يشجع العمل على تقنيات الحاسوب الحديثة والحوسبة السحابية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من المكتب والمنزل على حد سواء على خلق فرص توظيف جديدة و وفيرة للشباب عابرة لقيود الموقع الجغرافي والزمان لإنجاز المهام، مما يدل على التأثير الكبير الإيجابي للإقتصاد الرقمي على فرص التوظيف.
بعد تسارع الاقتصاد الرقمي ونموه أصبحت لدى الشباب الذين يمتلكون مهارات عالية من العمل في الشركات العالمية دون الحاجة للسفر، هذا القيد الذي لم يمكن الشباب ذوي المؤهلات من الوصول الى هذه الفرص التي تشكل محطات مفصلية في حياتهم العملية.
التحديات التي تواجه العراق في تحقيق الفرص الرقمية
أن من أهم التحديات التي تواجه العراق في تحقيق الفرص الرقمية هو الفساد لأنه يؤثر تأثيراً سلبياً على الفرص الاستثمارية الرقمية ويؤدي بشكل مباشر الى زيادة الاستثمار العام على حساب الاستثمار الخاص التي تعتمد عليها الفرص الرقمية، لأن بنود الانفاق العام تخضع في غياب الرقابة الى التلاعب، عكس الاستثمار الخاص الذي يتمتع برقابة صارمة وتدقيق مستمر.
يظهر تحدي التدريب المهني الرقمي في العراق جلياً في الاقتصاد الرقمي العراقي، حيث نجد فجوة كبيرة تتوسط المهارات الرقمية في سوق العمل وما يتلقاه الشباب من مهارات تقليدية من خلال التعليم الحكومي.
الوظائف التي تحتاج الى مهارات متقدمة في البرمجة و الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والتكنولوجيا السحابية، ستكون ليست في متناول الشباب في ظل هذه الفجوة المهارية الرقمية.
تعزيز الشراكات بين المؤسسات من أجل تعزيز فرص التوظيف في الاقتصاد الرقمي
تعمل منظمات المجتمع المدني على تعزيز الشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص، حيث تقوم مؤسسة مظلة لبناء السلام والتنمية المستدامة والعلاقات ومن خلال علاقاتها الوطيدة بالحكومة والقطاع الخاص بالتأكيد على اشراك الشباب في كل البرامج والأنشطة الحكومية في مجال الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال الرقمية.