أحدثت الهواتف الذكية والتكنولوجيا الحديثة ثورة غير مسبوقة في أنماط التواصل الإنساني، إذ بات من الممكن لأي شخص أن يتحدث مع آخر على بُعد آلاف الكيلومترات بضغطة زر، لكن هذه الثورة التقنية تركت في المقابل آثاراً اجتماعية سلبية باتت تهدد جوهر العلاقات الإنسانية داخل المجتمع.
فبينما يرى البعض أن الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي قربت المسافات، ووفرت منصات للتواصل الفوري وتبادل الأفكار والمعلومات، يحذر مختصون في علم الاجتماع من أن هذه الوسائل نفسها أدت إلى انكماش الحوار المباشر بين أفراد الأسرة والأصدقاء، وحولت اللقاءات الحقيقية إلى لقاءات افتراضية باردة.
وتشير دراسات حديثة إلى أن الفرد يقضي ما معدله من 4 إلى 7 ساعات يومياً أمام شاشة الهاتف، وهو وقت كان يمكن أن يُستثمر في التواصل الواقعي، ما أدى إلى فتور العلاقات العائلية وضعف الروابط الاجتماعية التقليدية. ويؤكد خبراء أن "العزلة الرقمية" أصبحت ظاهرة بارزة، حيث يتواجد الناس جسدياً في المكان نفسه، لكن كل منهم غارق في هاتفه بعيداً عن محيطه القريب.
الأثر النفسي والاجتماعي لهذه الظاهرة بدأ ينعكس على سلوكيات الشباب والأطفال، إذ برزت مشكلات مثل ضعف مهارات الحوار، قلة التفاعل العاطفي، والانطواء، مقابل تعلق مفرط بالشاشات والتطبيقات. كما أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا خلق جيلاً سريع التشتت، أقل قدرة على التركيز والاستماع، وأكثر اعتماداً على الحلول السريعة.
ويرى مراقبون أن المسؤولية مشتركة بين الأفراد والحكومات، إذ يتطلب الأمر حملات توعية مجتمعية، وإدخال برامج تربوية تحد من الإفراط في استخدام الهواتف، إضافة إلى توفير مساحات عامة وأنشطة ثقافية ورياضية تعيد الحياة للتواصل الإنساني المباشر.في النهاية، تبقى التكنولوجيا أداة بيد الإنسان: إما أن يستخدمها لزيادة التواصل الإيجابي، أو يتركها تحوّله إلى أسير شاشة صغيرة تبعده عن واقعه القريب، حتى وإن قربته من البعيد.