كتب : المحرر السياسي
شهد العراق واحدة من أبرز المحطات السياسية والأمنية في تاريخه الحديث مع انسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل نهاية عام 2011، وهو الحدث الذي مثّل تتويجاً لمسار تفاوضي طويل ومعقد.
بدأت القصة عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، حيث انتشرت القوات الأمريكية بكثافة وأدارت ملفات الأمن والسياسة والعسكر، ما أثار جدلاً واسعاً حول السيادة الوطنية ومصير البلاد ومع تصاعد الضغوط الداخلية، برزت الحاجة إلى وضع جدول زمني لإنهاء الوجود الأجنبي.
في عام 2008 وقّعت حكومة نوري المالكي مع الولايات المتحدة اتفاقية الإطار الاستراتيجي واتفاقية وضع القوات، والتي نصّت على انسحاب تدريجي لجميع القوات الأمريكية بحلول نهاية 2011. هذه الاتفاقية كانت ثمرة مفاوضات شاقة، شارك فيها مختلف الأطراف العراقية وسط انقسام داخلي بين من يرى ضرورة استمرار الدعم الأمريكي لضمان الاستقرار الأمني، ومن يصر على ضرورة استعادة السيادة الكاملة.
ومع اقتراب الموعد النهائي، واجهت الإدارة الأمريكية نقاشات حادة داخل واشنطن بشأن بقاء قوات محدودة لتدريب الجيش العراقي، لكن رفض البرلمان العراقي منح الحصانة القانونية للجنود الأمريكيين حال دون التوصل إلى أي صيغة جديدة، ما دفع واشنطن إلى تنفيذ الانسحاب الكامل.
وفي 18 كانون الأول/ديسمبر 2011 غادرت آخر الوحدات القتالية الأمريكية الأراضي العراقية في مشهد تابعه العراقيون باعتباره لحظة تاريخية أنهت ثمانية أعوام من الاحتلال المباشر.
الانسحاب ترك تداعيات واسعة على الوضع العراقي، فبينما رآه كثيرون انتصاراً للسيادة الوطنية وإرادة الشعب، اعتبره آخرون فراغاً أمنياً ساهم لاحقاً في تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم داعش.
ومع ذلك يبقى هذا الحدث علامة فارقة في تاريخ العراق الحديث، حيث أنهى صفحة عسكرة الوجود الأجنبي وفتح الباب أمام تحديات جديدة تتعلق ببناء الدولة واستقرارها الداخلي.