خاص — بغداد الاخبارية
رغم مرور أكثر من 20 عامًا على قرار مجلس الأمن رقم 1483 الصادر عام 2003، لا تزال الحكومة العراقية تعمل ضمن إطار قانوني تجاوزه الزمن، واستمرت معه وصاية الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أموال العراق، رغم انتفاء أي مبررات قانونية أو سياسية لوجود تلك الوصاية، خاصة بعد إغلاق ملف تعويضات الكويت في عام 2021، وصدور قرار أممي في 2022 أنهى رسميًا المطالبات الدولية.
ومع ذلك، لا يزال العراق حتى اليوم يضع احتياطاته النقدية البالغة أكثر من 100 مليار دولار تحت الرقابة الأجنبية، ما وصفه خبراء اقتصاديون بأنه "احتلال نقدي غير مباشر" يحدّ من السيادة المالية للبلاد، ويعزز التبعية لسياسات البنك الفيدرالي الأميركي ووزارة الخزانة، التي لا تنسجم بالضرورة مع مصالح العراق ولا تراعي ظروفه الاقتصادية.
كما أن البيانات الرسمية للبنك المركزي العراقي تؤكد أن 97% من احتياطات العراق الأجنبية مودعة بالدولار، ما يجعل البلاد عرضة مباشرة لتقلبات القرارات الأميركية، وهو ما ينعكس يوميًا على سعر صرف الدينار وعلى قدرة المصارف المحلية في تلبية حاجات السوق، وسط شكاوى متكررة من شح الدولار وتأخير التحويلات، وهو ما يلقي بظلاله على الاستقرار الاقتصادي وسوق العمل والتجارة.
وفي وقت سابق دعا الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه الحكومة إلى مراجعة الإطار القانوني الدولي الذي أُنشئ عقب الاحتلال، مطالبًا بإعادة صياغة العلاقة المالية مع الولايات المتحدة، بما ينسجم مع عودة السيادة الوطنية، وإلغاء أي بقايا لوصاية تجاوزها الواقع السياسي منذ سنوات.
وفي وقتٍ تنشغل فيه الدول النفطية بإطلاق صناديق سيادية لتنمية الأجيال المقبلة، لا يزال العراق يضع أمواله في حسابات خارجية مقيدة، دون أدوات تخطيط استراتيجي أو حوكمة حقيقية ، ولفت اقتصاديون إلى أن تجربة النرويج يمكن أن تُستنسخ عراقياً، شريطة وجود إرادة سياسية موحدة ومفاوضين محترفين قادرين على إعادة رسم خارطة السيادة المالية.
والتقارير الدولية تُجمع على أن العراق من الدول القليلة التي لا تزال تعمل ضمن منظومة وصاية دولية على أموالها النفطية، رغم أنها خرجت من برامج العقوبات والتعويض منذ سنوات ، وهو ما أثار استياء الشارع، حيث انتشرت على منصات التواصل دعوات لمحاسبة الجهات التي تعيق التحرر المالي، وكتب أحد النشطاء "استقلال العراق يبدأ من استقلال قراره المالي ، لماذا لا نمتلك شجاعة الخروج من عباءة الدولار؟"
ولتحقيق السيادة المالية لا يتطلب فقط إجراءات من البنك المركزي، بل يتطلب موقفاً وطنياً حازماً، وقراراً سيادياً جريئاً، ينبع من البرلمان والحكومة والرئاسة معاً، وينفّذ بذكاء في المحافل الدولية، آن الأوان أن يُطرح هذا الملف علنًا، ويُحاسب من يرضى ببقاء العراق دولة تُدار مالياً من وراء البحار.
فقد سقطت الذرائع القانونية، وانتهت البرامج الدولية، وبقي السؤال الكبير معلقًا ،لماذا لا يزال العراق رهينة لوصاية انتهى أجلها؟ ومن يملك الجرأة لانتزاع قراره المالي من أيدي الآخرين ؟