كتب : المحرر السياسي
يمثل ملف السكن العشوائي في العراق معضلة حضرية متفاقمة تتقاطع فيها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، إذ يعيش ملايين المواطنين في بيوت مبنية خارج الأطر القانونية والتخطيطية، وفي ظل ظروف خدمية متدهورة، على الرغم من التوسع الواضح في إنشاء المجمعات السكنية النظامية في السنوات الأخيرة.
هذا التناقض يكشف حجم الفجوة بين التخطيط المركزي وواقع الاحتياجات المتراكمة للسكان، حيث فشلت الكثير من المبادرات في استيعاب الطلب المتزايد على السكن أو تأمين بدائل مناسبة للعشوائيات المنتشرة في أطراف المدن الكبرى والمناطق الفقيرة.
وتعود جذور المشكلة إلى سنوات طويلة من الحروب والعقوبات والاضطرابات الأمنية، ما تسبب بنزوح جماعي داخلي وتنامٍ سكاني غير منظم، رافقه ضعف في أداء المؤسسات المعنية بقطاع الإسكان. ومع غياب رؤية استراتيجية متماسكة، استمر المواطنون في البناء العشوائي لتأمين مأوى، فيما عجزت الدولة عن تنفيذ سياسات إسكانية فعالة تستوعب هذا التوسع وتوفر بدائل واقعية.
في المقابل، شهد العراق طفرة ملحوظة في بناء المجمعات السكنية الحديثة بتمويل حكومي وخاص، لا سيما في بغداد والبصرة وكربلاء، غير أن أسعار الوحدات المطروحة بقيت بعيدة عن متناول شريحة واسعة من المواطنين، ما جعل هذه المشاريع خيارًا للنخبة أو للطبقة المتوسطة الصاعدة فقط، دون أن تلامس جوهر الأزمة المتمثل في السكن الميسّر للفقراء ومحدودي الدخل.
هذا الواقع أنتج فجوة اجتماعية وعمرانية متزايدة، حيث يتجاور المشهد الحضري المنظم مع بيئات عشوائية تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم، مما يُعرقل جهود التنمية ويُربك التخطيط المستقبلي للمدن العراقية. وبينما تتحدث الحكومة عن خطط لمعالجة العشوائيات عبر إعادة التوطين أو تقنين بعض المواقع، لا تزال معظم الإجراءات بطيئة ومجزأة وتواجه عقبات مالية وإدارية وتشريعية.
وفي ظل استمرار هذه الأزمة وتوسع رقعة العشوائيات، تبدو الحاجة ملحّة إلى استراتيجية وطنية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية والتمويل المستدام والتشريعات الداعمة، بالتوازي مع تطوير آليات لمراقبة استخدامات الأراضي وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير وحدات سكنية ملائمة لذوي الدخل المحدود، بما يضمن تحجيم الظاهرة تدريجيًا دون اللجوء إلى الحلول القسرية أو العشوائية نفسها.