كتب : المحرر السياسي
يشهد العراق واحدة من أسوأ أزمات الجفاف في تاريخه الحديث، حيث تراجعت مستويات المياه إلى أدنى معدلاتها منذ أكثر من 80 عاماً، بحسب ما أكدته وزارة الموارد المائية. هذا التراجع الحاد في المخزون المائي، والذي انخفض إلى ما يقارب 10 مليارات متر مكعب فقط، يهدد مختلف القطاعات الحيوية في البلاد، وعلى رأسها الزراعة ومياه الشرب.
تعود جذور الأزمة إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها التغيرات المناخية التي أدت إلى تراجع معدلات الأمطار والثلوج، وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن سياسات الدول المتشاطئة مثل تركيا وإيران وسوريا، التي قلصت من كميات المياه المتدفقة عبر نهري دجلة والفرات. هذه التطورات تسببت في شح كبير بالمياه، خصوصاً في المناطق الجنوبية والوسطى من العراق.
الزراعة كانت أولى الضحايا، إذ اضطرت الحكومة إلى إلغاء موسم الزراعة الصيفية في العديد من المحافظات لتوفير المياه للاستخدام البشري. كما تراجعت أعداد الثروة الحيوانية بشكل لافت، لا سيما الجاموس الذي يواجه خطر الانقراض في مناطق الأهوار. هذا التدهور دفع آلاف العائلات الريفية إلى ترك أراضيها والنزوح نحو المدن بحثاً عن مصادر بديلة للعيش، ما ينذر بأزمة سكانية واجتماعية متفاقمة.
ورغم الجهود الحكومية المبذولة لمواجهة الأزمة، مثل إطلاق مشاريع تحلية المياه، وتوقيع اتفاقات مائية مع دول الجوار، وإنشاء محطات جديدة لإعادة تدوير المياه، فإن هذه الإجراءات ما زالت غير كافية في ظل استمرار الانخفاض في الموارد المائية، وغياب تنسيق إقليمي فاعل لضمان حصة العراق المائية.
تلوح في الأفق مخاطر بيئية واقتصادية وأمنية ما لم تُتخذ خطوات سريعة واستراتيجية شاملة لمواجهة الجفاف. وفي هذا السياق، تؤكد الحكومة أن الملف بات أولوية وطنية، ويخضع لإشراف مباشر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وسط تحذيرات من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى انفجار احتجاجات شعبية جديدة، وتدهور إضافي في الوضع المعيشي والاقتصادي.
إن أزمة المياه في العراق لم تعد مجرد مشكلة موسمية، بل باتت تهديداً وجودياً يتطلب حلولاً مستدامة تتضمن إصلاحاً للبنية التحتية، وترشيداً لاستهلاك المياه، وتعاوناً إقليمياً واسعاً لضمان أمن البلاد المائي على المدى الطويل.