تشهد الساحة السياسية العراقية توتراً متزايداً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، في ظل صراع محتدم بين الكتل السياسية الكبرى، وتحديداً داخل البيتين الشيعي والسني. ويبدو أن الاستقطاب السياسي بلغ مستويات غير مسبوقة، وسط محاولات حثيثة لإعادة رسم خارطة التحالفات وتوزيع مراكز النفوذ، بينما يعاني الشارع العراقي من ضعف الثقة بالعملية السياسية وتكرار مشاهد الانقسام والتناحر بين القوى المتصدرة للمشهد.
في البيت الشيعي، تتعمق الانقسامات يوماً بعد آخر، حيث يستمر التنافس بين الإطار التنسيقي الذي يضم قوى تقليدية مثل ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح وحركة عصائب أهل الحق، وبين التيار الصدري الذي يواصل تأثيره الواسع على الشارع رغم انسحابه من البرلمان في أزمة 2022. التيار الصدري وإن كان غائباً شكلياً عن الساحة التشريعية، إلا أن تحركاته غير المعلنة وتحالفاته المحتملة تعزز من فرضية عودته إلى المشهد بقوة، ما يشكل تحدياً جدياً لباقي القوى الشيعية التي تسعى إلى ملء الفراغ الذي تركه. وبين هذه الكتل تظهر تيارات مدنية ومستقلة تحاول اختراق النظام السياسي الطائفي، لكنها ما زالت تواجه صعوبات كبيرة في تثبيت حضورها داخل ساحة مزدحمة بالمال السياسي والنفوذ المسلح.
أما في الساحة السنية، فتبرز المنافسة الحادة بين تحالفي تقدم بقيادة محمد الحلبوسي وعزم بزعامة خميس الخنجر، حيث يسعى كل منهما للسيطرة على القرار السياسي في المحافظات المحررة واستعادة الدور السني في الحكم. هذه المنافسة لا تخلو من الانقسامات الداخلية والاتهامات المتبادلة بين القادة السنة باستخدام أدوات الدولة لمصالح انتخابية، في وقت ترتفع فيه مطالب الجمهور بإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الأمني والخدمي. في موازاة ذلك، تبرز قوى محلية في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين تحاول تقديم نفسها كبدائل شعبية أكثر قرباً من هموم المواطنين، لكن ضعف الموارد والتضييق السياسي يحد من فرصها في التوسع.
التحالفات العابرة للطوائف تبدو حتى الآن محدودة التأثير، إذ ما زالت الولاءات الطائفية والقومية تلقي بثقلها على طبيعة التحالفات وتوجهات الناخبين. ورغم بعض المحاولات لتشكيل قوائم وطنية تجمع السنة والشيعة والأكراد والمستقلين، إلا أن هذه المبادرات تصطدم بجدار الانقسام المجتمعي العميق والإرث الثقيل من الحروب والأزمات السياسية المتلاحقة.
الانتخابات المقبلة لن تكون مجرد مناسبة لاختيار نواب البرلمان، بل ستكون مفصلية في تحديد شكل النظام السياسي للفترة القادمة، وتوازن القوى بين المكونات، ومسار الإصلاحات المنتظرة. وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى آمال العراقيين معلقة على قدرة المرشحين الجدد والقوى التغييرية على إحداث فارق حقيقي ينهي دوامة الفشل والتكرار التي أثقلت كاهل البلاد منذ عام 2003 وحتى اليوم.