خاص — بغداد الاخبارية
في خضم التصعيد المتسارع بين طهران وتل أبيب، بات من الواضح أن العراق لم يعد قادراً على الاكتفاء بدور المتفرج ، ما يجري خلف الحدود لم يعد مجرد صراع بين دولتين، بل زلزال إقليمي بدأ يضرب العمق العراقي على المستويات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، بشكل مباشر ومتسارع.
الموقف الرسمي ما زال يتخبط وسط ارتباك واضح ، خطابات باهتة، ومواقف مترددة تخشى استفزاز أحد الطرفين ، أما الأحزاب السياسية، فتقف في منطقة رمادية، مكتفية بتأييد إعلامي لطهران، دون الانخراط العملي في الصراع، خشية الانزلاق إلى حرب مفتوحة لا تملك البلاد ترف خوضها.
لكن الواقع لا ينتظر، فقد بدأت ارتدادات الحرب تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية ، وزارة التجارة أطلقت خطة طوارئ غذائية تحسباً لانقطاع الإمدادات، في ظل تهديد المنافذ الحدودية بالإغلاق، خصوصاً مع إيران التي تزوّد العراق بما يقرب من 30% من احتياجاته الغذائية والسلعية ، هذا التهديد تزامن مع شلل في حركة الطيران من مطار بغداد الدولي، ما اضطر السلطات لتحويل الرحلات إلى مطار البصرة كمخرج وحيد، الأمر الذي ضاعف معاناة المسافرين وكلفهم نفقات إضافية وصلت إلى 250 دولاراً للعبور البري من الأردن.
وفي وقت سجلت فيه أسعار النفط ارتفاعاً عالمياً بنسبة 11% خلال الأسبوع الثاني من يونيو 2025، ما منح العراق فرصة مالية إضافية، سرعان ما تلاشت المكاسب نتيجة ارتفاع كلفة التأمين والشحن بنسبة تراوحت بين 30 إلى 45%، ما قلّص العائدات المتوقعة من هذه الطفرة.
التحديات الاقتصادية لا تتوقف عند هذا الحد، فقد أظهرت بيانات البنك المركزي العراقي ارتفاع الدين العام إلى 113 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، تزامناً مع ارتفاع معدلات التضخم إلى 5.8%، مدفوعة بزيادة تكاليف الغذاء والطاقة والنقل ، الأزمة المعيشية تزداد تعقيداً في ظل هشاشة البنية الاقتصادية والاعتماد شبه الكلي على الواردات.
وتلوح في الأفق أزمة طاقة تهدد استقرار المنظومة الكهربائية في البلاد، إذ يعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل نحو 40% من محطات الكهرباء، ما يجعله عرضة لهزات مفاجئة إذا ما قررت طهران وقف الإمدادات أو تعرضت بنيتها التحتية لضربات مؤثرة.
وفي الجانب اللوجستي، تصاعدت التحذيرات من مخاطر بيئية واقتصادية بعد أن صنّفت شركات التأمين الدولية الموانئ العراقية كنقاط "عالية الخطورة"، ما رفع كلفة الشحن البحري بنسبة تقارب 37%، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة "لويدز" البريطانية ، ويترافق هذا مع مخاوف من تسربات كيميائية محتملة في مياه شط العرب، نتيجة تكرار القصف الذي يستهدف منشآت صناعية في إيران.
والخسائر لم تقتصر على الأرض، بل وصلت إلى السماء ، فقد أعلنت منظمة الطيران المدني الدولي "إياتا" إعادة تقييم المسارات الجوية فوق الأراضي العراقية، ما أدى إلى توقف فعلي في حركة العبور الجوي منذ مطلع يونيو، مكبّداً العراق خسائر يومية تقدّر بأكثر من نصف مليون دولار من رسوم مرور الطائرات فقط.
العراق لا يقف على الهامش كما يتوهم البعض، بل يقف في قلب العاصفة ، وكل يوم تأخير في بناء موقف استراتيجي أو خطة إنقاذ شاملة، يعني خطوة جديدة نحو حافة الانفجار ، ويبقى السؤال الأهم هل يملك العراق خطة طوارئ حقيقية... أم يكتفي بالتمنّي وسط عاصفة إقليمية؟