تحقيق خاص
في قلب أربيل، حيث يُفترض أن الجمال يُصنع، تنمو كارثة صامتة في الظل. صالونات تجميل، تحوّلت بفعل الإهمال وغياب الرقابة، إلى بؤر محتملة لانتقال أمراض خطيرة مثل فيروس نقص المناعة (الإيدز) والتهاب الكبد، بسبب استخدام أدوات ملوثة وعدم الالتزام بأي بروتوكولات تعقيم أو صحة عامة.
تقول “س.ع”، وهي موظفة سابقة في أحد مراكز التجميل الراقية في المدينة، إن “الكثير من الصالونات لا تعقم أدواتها بين الزبونة والأخرى، وتستخدم الإبر ذاتها في رسم الحواجب أو حقن البلازما، دون أي إشراف صحي”. وتضيف: “الزبائن لا يعرفون شيئا، كل ما يهمهم هو السعر والشكل الخارجي”.
ويؤكد مصدر طبي في مستشفى أربيل التعليمي، رفض الكشف عن اسمه، أن “بعض الحالات المصابة بفيروسات منقولة بالدم قد يكون مصدرها صالونات تجميل، لكن لا توجد جهة تبحث أو تحقق فعلياً في ذلك”.
المخيف في الأمر ليس فقط التجاوز الصحي، بل الحماية السياسية والأمنية التي تتمتع بها بعض الصالونات. يقول مصدر رقابي طلب عدم الكشف عن هويته إن “عددا من الصالونات المخالفة تدار من قبل نساء مقربات من مسؤولين نافذين، وبعضها تحظى بحماية أمنية، ما يمنع إغلاقها رغم المخالفات المتكررة”.
ويتابع: “دائرة الصحة في أربيل تقوم بزيارات شكلية، وتُغضّ الطرف عن الكثير من الانتهاكات، لأن الأوامر تأتي من فوق”.
السكوت المستمر أمام هذه الكارثة يحوّلها إلى ما يشبه الجريمة المنظمة ضد صحة المجتمع، إذ لم يعد الأمر يتعلق فقط بإهمال، بل بشبكة مصالح تربط أصحاب المال بالسلطة والرقابة.
وأمام هذا الواقع، لا بد من تحرك عاجل من الجهات المعنية في بغداد والمجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة. إن السكوت عن هذه الفضيحة هو اشتراك صامت في جريمة متواصلة.
على الجهات المختصة اتخاذ اجراءات عاجلة قبل استفحال المشكلة، وقبل هذا وذاك إطلاق حملة وطنية صحية وتوعوية حول مخاطر صالونات التجميل غير المرخصة، وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة من وزارة الصحة الاتحادية ومنظمات مستقلة، ومحاسبة المتورطين من أصحاب الصالونات والمسؤولين المحليين، بالاضافة لفرض اشتراطات صحية صارمة على جميع مراكز التجميل وتدريب كوادرها.
ما يجري في بعض صالونات أربيل اليوم لم يعد “تجميلا”، بل هو تشويهٌ للضمير العام، واستثمار في الجهل والمرض. فهل يتحرك أحد، أم سننتظر حتى تنتشر العدوى وتكبر الفضيحة؟