خاص — ايات العميري
في كل بيت عراقي، حكاية طويلة مع الكهرباء. حكاية تتكرر كل يوم، تبدأ بانطفاء التيار وتنتهي بتنهيدة يأس أمام مولدة تهدر بصوتها، وتلتهم من جيوب الفقراء ما تبقى من الراتب.
وفي بلد تتدفق من أرضه أنهار من النفط، يعيش الناس على ضوء الشموع، ويقضون ليالي الصيف الحارقة تحت لهيب المراوح اليدوية، كأنهم في زمن غابر لا في عام 2025 ، أطفال يُحرمون من النوم، مرضى ينتظرون لحظة تبريد، وطلبة يدرسون على نور هواتفهم المحمولة ، هكذا تبدو الحياة اليومية للعراقيين في ظل أزمة كهرباء لا تنتهي.
أكثر من عقدين من الوعود، والظلام مستمر
منذ 2003 وحتى اليوم، تغيّرت الحكومات وتبدلت الوجوه، لكن الكهرباء بقيت مفقودة، عشرات مليارات الدولارات أنفقت، عقود خارجية أُبرمت، لجان شُكلت وملفات فُتحت، لكن النتيجة واحدة "انطفاء تلو آخر، وتعب لا يُحصى في قلوب الناس".
لم يعد انقطاع الكهرباء مجرد خلل خدمي، بل بات وجعًا جمعيًا متوارثًا، يكبر مع كل صيف ويحرق الأعصاب كما تحرق الشمس الأجساد ، المولدات صارت واقعًا موازيًا، لكنها ليست حلاً، بل عبئًا جديدًا على كاهل الفقراء، كم من عائلة اضطرت لتقليص مصاريفها من أجل دفع اشتراك المولدات ؟ كم من مريض تدهورت حالته بسبب غياب التيار في لحظة حرجة؟
وفي دول العالم، الكهرباء حق أساسي، لا يختلف عن الماء والهواء ، أما في العراق، فصار الحصول على 10 ساعات متواصلة من التيار حلمًا، وربما "ترفًا" لا يناله الجميع، أزمة الكهرباء كشفت هشاشة التخطيط، وعمق الفساد، وأثبتت أن لا نهوض حقيقي في ظل الظلام.
وان الأمل لا يزال حيًا، لكنه ضعيف، يختبئ خلف أكوام الوعود والتصريحات الرنانة، لن تُحل الأزمة إلا عندما تتحول الكهرباء من ملف سياسي إلى قضية وطنية تمس كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم.
فمن غير المعقول أن يُطفأ النور في بيت يطفو على بحر من الطاقة، وأن تظل معاناة الكهرباء تُكتب بعرق الناس ودموعهم ، حان الوقت لأن تُنار البيوت، لا بالشمع، بل بالعدل والنزاهة والإرادة.