تقرير : غسان عدنان
رغم التباينات في المواقف والقراءات، لا يمكن إنكار أن انعقاد القمة العربية في العراق هو حدث محوري يحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية واجتماعية عميقة. ومع الأسف، طغت على المشهد موجة من الانتقادات السطحية، سواء من بعض الإعلاميين أو من الرأي العام، تُظهر حالة من القصور في فهم أهمية السياسة الخارجية وموقع العراق فيها.
أولاً: السياسة الخارجية ليست ترفاً
السياسة الخارجية ليست نشاطاً دعائياً أو بروتوكولياً، بل هي أداة لبناء مكانة الدولة وتحديد موقعها في الإقليم والعالم. حين يستضيف العراق قمة عربية، فإنه يرسل إشارات متعددة:
١- أنه استعاد عافيته السياسية والأمنية، ليكون قادراً على جمع قادة الدول العربية تحت سقف واحد.
٢- أنه لاعب إقليمي مؤثر، يمكنه المساهمة في صياغة أجندة العمل العربي المشترك.
٣- أنه يحظى بالثقة، وأن عواصم القرار العربي تنظر إليه بوصفه مركزاً يمكن البناء عليه.
ثانياً: الانعكاسات السياسية والأمنية
انعقاد القمة في بغداد يحمل دلالات مهمة على صعيد الأمن والاستقرار الداخلي:
١/ هي شهادة غير مباشرة من المجتمع العربي على تحسّن الوضع الأمني في العراق.
٢/ تعزز موقع العراق التفاوضي في ملفات حيوية مثل ملف المياه، الحدود، الطاقة، والاقتصاد.
٣/ تفتح الباب أمام دور وساطة جديد قد يلعبه العراق في التهدئة بين دول متخاصمة.
ثالثاً: الدعم الخارجي والتبرعات… لماذا نرفضها؟
أثار تبرع العراق بـ40 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان وفلسطين انتقادات واسعة، رغم أن المبلغ صغير مقارنة بميزانية الدولة، ورغم أنه يأتي من باب الدبلوماسية الناعمة والتضامن العربي.
الدول لا تبني علاقاتها فقط على الربح والخسارة، بل على الرسائل الرمزية التي تعزز موقعها الأخلاقي والسياسي. حين يقدّم العراق دعماً مالياً في وقت الأزمات، فهو:
١- يرسّخ صورته كدولة راعية ومتضامنة، لا مجرد متلقية للدعم.
٢- يبني رصيداً سياسياً يمكن أن يُترجم إلى دعم في قضايا حيوية.
٣- يعزز مكانته الشعبية في الشارع العربي، وهو ما يفيد العراق في المعارك الإعلامية والدبلوماسية.
رابعاً: البعد الاجتماعي والوطني
القمة العربية، رغم طابعها السياسي، تنعكس اجتماعياً في الداخل العراقي:
١- تعزز الشعور بالثقة الوطنية بأن العراق عاد لاعباً لا متفرجاً.
٢- تعيد الاعتبار لدور بغداد التاريخي كمركز للقرار العربي.
٣- تساهم في تنشيط السياحة السياسية والدبلوماسية، وتفتح الباب أمام الاستثمارات.
على النخب الإعلامية والسياسية أن تبتعد عن خطاب الإثارة وأن تمارس دورها في تثقيف الرأي العام، لا مجاراته في انفعالاته. نقد الحكومات مشروع، ولكن رفض النجاحات الوطنية تحت ذريعة الجوع والفقر هو موقف قصير النظر، قد يخدم الخصوم أكثر مما يخدم المواطن.
القمة العربية في بغداد ليست مجرد اجتماع؛ إنها إعلان سياسي كبير بأن العراق عاد إلى خريطة التأثير العربي، ومن واجبنا أن نُثمّن ذلك، لا أن نهدمه تحت ضغط المشاعر الآنية.