في عراق ما بعد 2003، كان الأمل معقوداً على أن تكون الانتخابات بوابة لتداول سلمي حقيقي للسلطة، غير أن المشهد قبيل انتخابات 2025 يكشف عن صورة مقلوبة، حيث تحولت الديمقراطية من فرصة للمنافسة الحرة إلى مضمار مغلق لصالح العائلات المتنفذة.
ظاهرة التوريث السياسي اندفعت بقوة إلى واجهة السباق الانتخابي، لتعيد تشكيل قواعد اللعبة على أسس عائلية لا سياسية. فالمناصب لم تعد ثمرة كفاءة أو تجربة، بل غنيمة يتوارثها الأبناء والأقارب، وكأن السياسة العراقية صارت عقاراً مسجلاً باسم الأسر النافذة.
ما يزيد من خطورة هذا المسار أنه عابر للهويات المذهبية والقومية، إذ يتكرر المشهد من الجنوب إلى الشمال، مروراً بالغرب والشرق، ليكشف عن قاعدة غير مكتوبة ، من لا يملك ظهراً عائلياً أو عشائرياً، فلن يجد له مكاناً في ساحة القرار.
الجيل الشاب، الطامح إلى المنافسة العادلة وصناعة التغيير، يجد نفسه محاصراً أمام جدار من الرمزية الاجتماعية والنفوذ العائلي، فيما يُقصى أصحاب الخبرة الذين لا يمتلكون دعماً عشائرياً ،والنتيجة أن العملية السياسية تنزلق نحو شكل جديد من "الحكم العائلي"، لا يختلف في جوهره عن أنظمة التوريث السلطوي في المنطقة.
ومع استمرار مفوضية الانتخابات في استبعاد عشرات المرشحين، مقابل تدفق أسماء محسوبة على العائلات النافذة إلى القوائم، تبدو الديمقراطية العراقية وكأنها تُختزل في إعادة تدوير النخب العائلية ذاتها، لتغلق الأفق أمام مشروع وطني جامع وتفتح الباب واسعاً أمام عزوف شعبي متزايد.
إن أخطر ما تكشفه انتخابات 2025 هو أن الديمقراطية في العراق لم تعد مجرد صندوق اقتراع، بل شبكة نفوذ عائلية تكرّس السلطة وتحتكر القرار، لتتحول السياسة من خدمة عامة إلى إرث خاص، ومن حق الشعب إلى امتياز العوائل.