بقلم: ليث الربيعي
هي قمة أخرى تمضي، لا يُذكر منها إلا عدد الكراسي الفارغة، والخطابات التي قُرئت بلا حماسة، والبيانات الختامية التي تُكتب قبل أن تبدأ الكلمات. قمة بلا أثر.. بلا موقف يهز الطاولة.. بلا حتى محاولة لكسر الصمت العربي الصدئ.
العالم يشتعل من حولنا، وفلسطين تُقصف كل يوم، وشعوب عربية تُذبح بالمُسيرات والصواريخ، لكننا نعود من كل قمة ببيان منسوخ ولغة خشبية لا تُطعم جائعا، ولا تردع معتديا، ولا تُعطي أملا لطفل ينتظر أن يقول له زعماءه: "لسنا شركاء في الخذلان".
في قمة بغداد، حضر بعض القادة، وغاب الأغلبية، وكأنها مجرد مناسبة بروتوكولية لا أكثر. جلس الجميع تحت أضواء الكاميرات، وتلوا كلماتهم كما لو أنهم على عجالة من أمرهم، أو أن الحديث عن قضايا الأمة أصبح عبئا ثقيلا لا رغبة في حمله. لا مشاريع قرارات واضحة، لا آليات تنفيذ، لا جدول أعمال استثنائي يرتقي لحجم النكبات التي تمر بها الأمة.
كم مرة سمعنا في بيانات القمم كلمات مثل: “ندين، نرفض، نستنكر، نُطالب”..؟ كم مرة قرأنا جملة “نؤكد على مركزية القضية الفلسطينية” دون أن نرى فعلا حقيقيا يليق بهذه “المركزية”؟ هل تغيّر شيء بعد كل هذا التكرار؟ بل هل تغيّرت صيغة البيان الختامي منذ عقدين من الزمن؟
هذه القمة، مثل غيرها، لم تحمل جديدا، سوى المطالبة بحل وانهاء كل فعل مقاوم للهيمنة، وعكست حالة الترهل العربي العام، والانقسام، وضعف القرار، واكتفاء البعض بلعب دور الشاهد على احتضار الموقف العربي.
أين هو الصوت العربي الموحد؟ أين المبادرات التي تُحدث فرقا؟ أين القرار الذي يهز موازين القوى ويُعيد للعرب مكانتهم؟ لا شيء، سوى التمثيل الدبلوماسي المتفاوت، والوجوه المتجهمة، والخطابات المُنمّقة التي لا تُقنع حتى أصحابها.
قمة بلا لون… لأن لا مشروع واضح خرج منها.
بلا طعم… لأن الشعوب لم تشعر أنها معنيّة بها.
بلا رائحة… لأن المواقف فيها باهتة، خالية من أي أثر، وكأنها لم تكن.
ويبقى السؤال: إلى متى نظل نعقد قمما تُستهلك فيها الكلمات، ولا يُنتج منها المواقف؟
إلى متى نظل نمارس سياسة “إدارة الأزمات” لا “حلها”؟
إلى متى نصرف الاموال على قمم شكلية أكثر من كونها فعلية؟
إن ما تحتاجه الأمة ليس الشكليات، بل صحوة حقيقية تعيد تعريف معنى “القمم”.
فقمم الشعوب تُقاس بمدى شعورها أن صوتها سُمِع، أن كرامتها صِيْنَت، أن آمالها وجدت طريقا للبحث عن النور.
#قمة_بلا_أثر
#العرب_إلى_أين؟