علي تحسين فرحان الزهيري
شهد العراق عبر تاريخه الحديث سلسلة من الأحداث المأساوية والصراعات التي دفعت الآلاف من أبنائه إلى تقديم أرواحهم فداءً للوطن. من مقاومة الاحتلال إلى محاربة الإرهاب، تميز الشعب العراقي بتضحياته الكبيرة، وأصبح الشهداء رموزًا خالدة في الذاكرة الوطنية. لكن في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة مؤسفة تمثلت في رفع صور بعض الشهداء أو إهمال ذكراهم في مناطقهم، ما أثار جدلاً واسعاً بين فئات المجتمع
لطالما كان الشهيد العراقي في طليعة المدافعين عن الوطن. فقد سقط المئات خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم الآلاف في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وما تلاه من فوضى أمنية وصراعات طائفية، وصولًا إلى الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي. كانت هذه التضحيات رمزاً للصمود والدفاع عن الكرامة والسيادة.
رمزية الصور والنصب التذكارية
تُعد صور الشهداء المنتشرة في الشوارع والساحات رموزاً للتقدير والامتنان الشعبي لتضحياتهم. كما تُستخدم كأداة للتوعية الوطنية، خاصةً بين الأجيال الجديدة. وقد اعتاد العراقيون على رفع صور الشهداء في المناسبات الدينية والوطنية، وعلى مداخل المدن والقرى.
في بعض المناطق، وخصوصًا التي شهدت تغييرات ديموغرافية أو سياسية، بدأت تُرفع صور الشهداء ويُهمل ذكرهم، إما لأسباب طائفية أو سياسية، أو بسبب نزاعات محلية. هذا السلوك يُعد إهانة لتاريخهم وتضحياتهم، ويُثير أسئلة مؤلمة حول الوفاء لمن بذلوا أرواحهم دفاعًا عن الوطن.
يطالب ناشطون ومؤرخون بضرورة توثيق أسماء الشهداء رسميًا في المناهج الدراسية، وإنشاء نصب تذكارية دائمة، وتخصيص مناسبات سنوية لإحياء ذكراهم بعيدًا عن التسييس أو التفرقة. فالشهيد لا ينتمي لطائفة أو حزب، بل للوطن كله.
شهداء العراق هم منارات مضيئة في تاريخ هذا البلد الجريح. الحفاظ على ذكراهم واجب وطني وأخلاقي، وأي مساس بهذه الرمزية هو خيانة لقيم التضحية والوحدة. إن رفع صورهم من البلاد لا يُلغي تضحياتهم، لكنه يكشف عن أزمة في الوعي الجمعي تحتاج إلى معالجة عاجلة للحفاظ على هوية العراق وكرامة من دافعوا عنها.