كتب- احرار الدعيجي
رغم كل الهالة الإعلامية المصاحبة للقمة العربية المرتقبة في بغداد، ورغم التصريحات الوردية عن التكامل الاقتصادي ومواجهة التحديات الإقليمية، فإن المراقب المتجرد من الانفعال السياسي يدرك تماما أن الفائدة الحقيقية للعراق من هذا الحدث ستكون محدودة إن لم تكن شكلية في بعض جوانبها.
القمة، التي طال انتظارها، تُعقد في بلد مثقل بالديون، يعاني من بطالة مرتفعة، بنية تحتية مترهلة، وأزمات سياسية متواصلة بين المركز والإقليم، ناهيك عن التدخلات الإقليمية والدولية التي تشل القرار الوطني. فهل تكفي يومان من الاجتماعات البروتوكولية في بغداد لتعديل هذا المسار المعقد؟
واقع الحال يُظهر أن العراق يستضيف القمة أكثر مما يقودها. فصانع القرار العراقي، المنقسم على ذاته، لا يملك حتى اليوم رؤية استراتيجية متكاملة لقيادة مشروع عربي جامع، ولا أدوات التأثير الكافية لفرض أجندته أو حماية مصالحه.
نعم، حضور الزعماء إلى بغداد يُعد إنجازا دبلوماسيا من حيث الشكل، لكنه لا يغير شيئا من جوهر السياسة العربية القائمة على المجاملات أكثر من المشاريع. ولو دققنا في نتائج القمم السابقة، لوجدنا أن “التوصيات” لا تتجاوز حدود البيانات الختامية، سرعان ما تتبخر أمام أول اختبار إقليمي.
المفارقة المؤلمة أن العراق، وهو يحتضن قمة عن “التكامل الاقتصادي”، لا يمتلك اقتصادا منتجا حتى على المستوى الداخلي. وما زال يعتمد على النفط الخام كمصدر شبه وحيد للإيرادات، ويستورد من الإبرة حتى الطائرة.
فكيف يمكن الحديث عن تكامل عربي بينما لا توجد مناطق صناعية، ولا استراتيجيات زراعية حقيقية، ولا خطط لتحديث التعليم، ولا بنى تحتية مؤهلة للربط الاقتصادي الإقليمي؟ وماذا سيقدم العراق فعليا للشركاء العرب سوى موقع جغرافي وبيانات ترحيبية؟
القمة قد تكرّس صورة بغداد كمكان “مناسب” للقاءات الإقليمية، لكن هذا الدور الشكلي لا يرقى إلى مستوى الفاعلية. فالمؤثرون الحقيقيون في المنطقة اليوم هم من يمتلكون أدوات القوة الناعمة والاقتصادية والعسكرية، بينما العراق ما زال يبحث عن استقراره الداخلي قبل أن يصدر الاستقرار للخارج.
القمة العربية في بغداد قد تساهم في تحريك بعض الملفات السياسية والإعلامية، وقد تعزز حضور العراق المعنوي في الخريطة العربية، لكن من الخطأ المراهنة عليها كمنقذ اقتصادي أو سياسي في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة.
الحقيقة القاسية: القمم لا تصنع الدول، بل الدول تصنع القمم.
وحتى اللحظة، ما زال العراق عاجزا عن التحول من ساحة صراع إلى لاعب حقيقي في معادلات المنطقة.