كتب: المحرر السياسي
ليس القرار مفاجئا بحد ذاته، لكن الصدمة كامنة في طريقة تمريره، وفي توقيته، وفي ما خلفه من ذيول…
مجلس النواب العراقي يصوّت على استحداث محافظة حلبجة، لتصبح المحافظة رقم 19 في خارطة العراق الإدارية، في لحظة خلط أوراق وتقديرات مشوبة بالريبة والاتهامات.
من قلب الوجع الكردي، ومن رماد القصف الكيمياوي، وُلد قرارٌ لم يكتمل بنصاب، لكنه اكتمل بإرادة سياسية تسعى إلى أبعد من إنصاف مدينة شهيدة.
وبينما صدحت قبة البرلمان باسم حلبجة، كانت كتلٌ أخرى تقرأ المشهد بعينٍ تختلف عن وجدان الضحايا…
فما بدا تكريما للمدينة المنكوبة، ظهر لكثيرين بوصفه قنبلة سياسية موقوتة، وجرعة جديدة من مشاعر التهميش والانقسام والتشظّي الإداري.
القرار لم يكن عاديا، ولا عابرا، ولا منزوع الخلفيات.
فمن طعنٍ بالنصاب، إلى تساؤلات عن إدراج الفقرة في جدول الأعمال، إلى اتهامات مباشرة لرئاسة البرلمان بـ”التمرير المخالف”…
كلها مؤشرات على أن خلف إعلان حلبجة محافظة، حسابات لا تقف عند حدود الإقليم ولا تتوقف عند ذاكرة الشهداء.
فجأة، عاد الحديث عن محافظات جديدة: تلعفر وسنجار وسهل نينوى…
وبدأت الأصوات تعلو من المكونات العراقية المختلفة، تطالب بالتقسيم الإداري ذاته الذي مُنح لحلبجة…
فهل فُتح الباب لتوازن جديد؟ أم لفتنة جديدة؟
الاحتجاجات التي رافقت الجلسة لم تكن اعتيادية.
ولغة البيانات والبيانات المضادة، أوحت بأن العراق ليس أمام قرار إداري فحسب، بل أمام مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الخارطة، ليس وفق الضرورات الإدارية أو اعتبارات التنمية، بل على أساس الصفقات السياسية.
حلبجة، التي كانت عنواناً للجراح، تحوّلت اليوم إلى بوابة لتقاسم النفوذ وإعادة هندسة التمثيل الانتخابي.
الأصوات الرافضة لا تنوي التراجع.
ومعركة قانونية بدأت بالتحضير، وسط تأكيدات بعدم اكتمال النصاب واختلال آليات التصويت.
وإذا ما فتحت المحكمة الاتحادية هذا الملف، فسنكون أمام سابقة قد لا تقف عند حلبجة، بل تمتد لتطعن بقرارات جوهرية سابقة ولاحقة، فتربك المشهد أكثر مما هو مرتبك.
القرار ليس ابن اليوم.
منذ العام 2013 بدأ الإقليم مسار تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة، ودعمه الكاظمي لاحقا، ثم جاء الدور على حكومة السوداني…
لكن الجديد هو طريقة إخراجه: دون توافق، دون دراسة، دون موازنة بين الطموح والواقع، ودون احتساب حساسية التوقيت.
وبينما وزّعت مناصب المحافظة سلفا على الأحزاب الكردية الرئيسية، ارتفعت أسئلة الداخل العراقي: ماذا عن سامراء؟ ماذا عن سهل نينوى؟
وهل أصبح التقسيم الإداري مدخلا لتقاسم البلاد وفق المكونات؟
مرّ القرار، لكن الجرح لم يلتئم.
ومَن ظنّ أن استحداث محافظة هو تكريم، قد يجد نفسه قريبا في قلب أزمة تشظٍ لا تنتهي.
فإذا كانت حلبجة قد قُصفت يوما بالسلاح الكيمياوي، فإنها اليوم قد استُخدمت، بوعي أو من دونه، كسلاح سياسي، في معركة إعادة صياغة العراق.
وإذا لم تُضبط هذه التحركات، فإننا قد ننتقل من دولة تعاني من الانقسام السياسي، إلى دولة تتآكلها خرائط صغيرة… ترسمها الطموحات لا الدساتير.