كتب: المحرر السياسي
في التاسع من نيسان من كل عام، يقف العراقيون أمام محطة مفصلية في تاريخهم الحديث. يومٌ لا يُنسى من ذاكرة الشعوب، يوم انهار فيه تمثال المجرم صدام وسط بغداد، لينهي عقودا من حكم الفرد والاستبداد، ويفتح بوابة الأمل نحو الدولة المدنية والديمقراطية.
لكن بعد مضي اثنين وعشرين عاما، لا تزال الأسئلة الكبرى مفتوحة: هل اكتمل التغيير؟ وهل ترسخت الديمقراطية في وجدان الدولة والمجتمع؟ وهل استطاع العراقيون تحويل لحظة السقوط إلى لحظة بناء مستدامة؟
لقد أسقط الاحتلال الأميركي النظام السابق، لكنه لم يمنح العراقيين نظاما ديمقراطيا جاهزا؛ بل وضعهم أمام مسؤولية بناء هذا النظام من الصفر، وسط تحديات هائلة وظروف معقدة. فالحرية التي انتزعها الناس في نيسان 2003 لم تكن نهاية الطريق، بل بدايته. ومنذ ذلك الحين، شكّلت الانتخابات الركيزة الأهم في هذا البناء، بوصفها الوسيلة الوحيدة السلمية لإنتاج السلطة وتداولها، وتحقيق تمثيل حقيقي لإرادة الناس.
وفي هذا الصدد، أكّد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في احتفالية أُقيمت يوم أمس، أن “النظام السياسي الجديد في العراق هو ثمرة عمل وتضحيات غالية”، مشدداً على “ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد وعدم تأجيلها”.
ورغم ما رافق التجارب الانتخابية السابقة من انتكاسات وتحديات، فإن الانتخابات بقيت الأداة الوحيدة المتاحة للشعب لإعادة تشكيل المعادلة السياسية. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، يصبح الحديث عن الديمقراطية أكثر من مجرد ترف سياسي؛ إنه خيار وجود ومسار حياة.
وقال رئيس حزب اقتدار وطن عبد الحسين عبطان في هذا السياق، “التغيير الحقيقي لا يأتي عبر الشعارات أو الرغبات، بل عبر الوعي والمشاركة. صناديق الاقتراع هي المكان الذي يُولد فيه القرار الوطني، ويُصحح فيه المسار، وتُبنى فيه دولة المواطنة.”
إن الديمقراطية في العراق لا تزال فتية، لكنها ليست ضعيفة. ما تحتاجه هو دعم سياسي جاد، وتحفيز على المشاركة، وإجراءات صارمة ضد التزوير والتلاعب، ومناخ قانوني وإعلامي يتيح التنافس العادل والنزيه. كما أن على القوى السياسية أن تدرك أن الشرعية لا تُمنح بالقوة ولا بالماضي، بل تُستمد من الناس، عبر الثقة، والمشاركة، والتصويت.
الذكرى الـ22 لسقوط الدكتاتورية هي تذكير دائم بأن الاستبداد لا يعود إن بقي الناس يقظين. وأن الدولة لا تُبنى من فوق، بل من القاعدة الشعبية التي تؤمن أن الديمقراطية خيارٌ لا رجعة عنه. والمطلوب اليوم ليس فقط استذكار الماضي، بل صناعته من جديد بأدوات الحاضر: الوعي، والتنظيم، والمشاركة.
ختاما، لا يمكن إسقاط الصنم مرتين، لكن يمكن إسقاط آثاره وبقاياه حين نُصرّ على بناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، يُنتج الكفاءة، ويحاسب الفاسد، ويحترم صوت المواطن… وهذه مهمة كل عراقي يؤمن أن بلده يستحق الأفضل.