كتب: المحرر السياسي
لم تُسقِطْهم فضائحُ الفشلِ السياسيِّ ولا الانقساماتُ التي مزَّقتِ البلادَ على مدى سنوات، فهل ستُسقِطُهم أصواتُ التملُّقِ في موسمِ برامج رمضان؟ في العراق، حيثُ السياسةُ تُمارَسُ بأساليبَ متكررة، يختلطُ التحليلُ بالتبريرِ، والنقدُ بالتصفيقِ، فيما لا تزالُ الجماهيرُ تبحثُ عن خطابٍ يليقُ بها، بعيدًا عن صدى الترويجِ والتلميعِ والمصالحِ المتبادلة.
في ساحةِ الجدلِ السياسيِّ، ظهرَ بهاءُ الأعرجي، كعادته، مدافعا عن رئيس الوزراء السوداني ومخوِّنًا أيَّ محاولةٍ للحديثِ عن أوجهِ القصورِ في حكومته. “الارتياحُ الشعبيُّ تحققَ في عهدِ السوداني”، هكذا قالها الأعرجي بثقة، متجاهلًا أنَّ نفسَ هذا الشعبِ يعيشُ تحتَ وطأةِ الغلاءِ، وتردي الخدماتِ، واستمرارِ الفسادِ الذي لم تنجحْ أيُّ حكومةٍ في اجتثاثِه.
أما سلامُ عادل، فقد حاولَ رسمَ صورةٍ أكثرَ اتزانًا، مُذكرًا بأنَّ العراقَ اليومَ “ليسَ دولةً مارقةً” كما كانَ في التسعينيات، لكنَّهُ لم يُجبْ على السؤالِ الأهمِّ: هل هو دولةٌ مستقلةٌ فعلًا، أم أنهُ لا يزالُ في قلبِ معادلاتٍ تُرسمُ خارجَ حدوده؟ بينما تتعالى الأصواتُ حولَ العقوباتِ الأمريكيةِ والموقفِ من إيران، يبقى الانسان العراقيُّ مهتمًا فقط بسؤالٍ بسيط: هل سيتحسنُ وضعُهُ المعيشي؟ أم أنَّ السياسةَ ستظلُّ مسرحًا للوعودِ التي لا تُنفذ؟
في الجانب الاخر يظهر قصي محبوبة، الذي ذهبَ إلى ما هو أبعدُ من ذلك، مُعلِنًا أنَّ “العراقَ تركَ محورَ المقاومةِ فعليًا، وأصبحَ في صُلبِ المحورِ الغربي”، وكأنَّ سيادةَ الدولةِ تُقاسُ بمدى ولائها لهذهِ الجهةِ أو تلك، بدلًا من قدرتِها على اتخاذِ قراراتِها دونَ وصايةٍ خارجية.
ومع استمرارِ هذا السجال، يبدو أنَّ برامج رمضانَ هذا العام لن تقتصرَ على شاشاتِ التلفزيون، بل ستتجسدُ في طاولاتِ التحليلِ السياسيِّ حيثُ تُعادُ صياغةُ الولاءاتِ وفقًا لمقتضياتِ اللحظة، لا بناءً على ثوابتِ المواقف. لكنَّ السؤالَ الذي لم يُجبْ عليهِ هؤلاءِ المحللونَ بعد هو: متى يصبحُ الوطنُ هو المشروعُ الأولُ والأخير، بدلًا من أن يكونَ مجردَ ورقةٍ تفاوضيةٍ في لعبةِ المحاور؟