كلما زاد الترقب الشعبي لتعديل سلم الرواتب، ازدادت الضغوط على الحكومة، التي تجد نفسها بين سندان الاستجابة لمطالب الملايين من الموظفين ومطرقة الأزمة المالية التي تعاني منها خزينة الدولة.
ليست هي المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا الملف على طاولة النقاش، لكنه يعود اليوم بزخم جديد، تحت وطأة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، ومعه تزداد المطالب بإنصاف مالي يعيد التوازن إلى رواتب الموظفين التي لم يطرأ عليها تعديل منذ أكثر من 15 عامًا.
فيما شوارع بغداد ومدن أخرى، يتجمع فيها الموظفون، مطالبين بحقوقهم، وتعقد الاجتماعات داخل أروقة الحكومة والبرلمان بحثًا عن مخرج للأزمة، لكن الجواب لا يزال معلقًا، مع تأكيدات نيابية بأن القانون المنتظر سيكلف الدولة 16 تريليون دينار إضافية سنويًا، تضاف إلى 60 تريليونًا مخصصة أصلًا للرواتب، وهو ما يزيد الضغط على موازنة مرهقة أصلًا باعتمادها شبه الكامل على الإيرادات النفطية.
ولن ينفع في هذه الأزمة رهان البعض على التهدئة أو تسويف الحلول، فالموظفون الذين يشكلون عصب الدولة، لا يملكون ترف الانتظار، بينما تلتهم الأسعار أجورهم المتآكلة، وهم يرون الفوارق الشاسعة بين رواتبهم ورواتب زملائهم في مؤسسات أخرى. وإذ يدرك الجميع صعوبة تحقيق العدالة الكاملة في توزيع الرواتب، فإن الحل لا يمكن أن يكون بالمماطلة أو إلقاء المسؤولية على تعقيدات القوانين والقرارات.
أما الحلول المطروحة، فبين من يقترح إعادة توزيع التخصيصات المالية بشكل عادل، وبين من يدعو لإضافة أموال جديدة لدعم أصحاب الرواتب المنخفضة، تبرز معضلة أكبر، وهي أن إصلاح الاقتصاد لا يكون فقط بزيادة الرواتب، بل بمعالجة أعمق تشمل تحفيز الاستثمار، ودعم القطاع الخاص، وخلق فرص عمل حقيقية تقي الأجيال القادمة من الدخول في دوامة البطالة والاعتماد على الوظائف الحكومية المرهقة للخزينة.
وحتى ذلك الحين، يبقى السؤال: هل تستطيع الحكومة إيجاد توازن بين مطالب الشعب وإمكانات الدولة؟ أم أننا أمام فصل جديد من المماطلة في ملف لم يعد يحتمل التأجيل؟