كتب: احرار الدعيجي
هي بغداد، المدينة التي ما إن يحلّ فيها شهر رمضان حتى تبدأ معاناتها المعتادة مع الاختناقات المرورية، وكأن هذا الشهر أصبح موعدا سنويا لامتحان صبر العراقيين في الشوارع قبل أن يكون اختبارا لجلدهم في الصيام.
صوت المنبهات يختلط بأصوات الباعة الجائلين، السيارات تتراكم فوق بعضها كأنها قطع معدنية عالقة في عنق زجاجة لا مخرج منها، والمارة يقفون على الأرصفة متأملين في سراب الوصول إلى وجهاتهم في الوقت المحدد. المشهد يتكرر يوميا، ومع كل دقيقة تمر، يتبخر الوقت، ويزداد الضغط، ويضيق الصدر.
وبينما يستعد الناس للإفطار في بيوتهم، هناك من يجد نفسه عالقا داخل سيارته، محاصرا بزحام لا نهاية له. تمر الدقائق، ثم الساعات، ولا شيء يتغير سوى ضوء الشمس الذي يختفي تدريجيا، لتبقى السيارات متوقفة عند الإشارات التي لا يبدو أنها ستتحرك قريبا.
“كل عام نقول إن الأمور ستتحسن، لكننا نجد أنفسنا في نفس المأزق”، يقول اغلب الموظفين..
أزمة المرور في العراق ليست جديدة، لكنها تتفاقم خلال شهر رمضان لأسباب متعددة، منها:
1. تغير أوقات النشاط اليومي: خروج الناس للأسواق قبيل الإفطار، وتزامن انتهاء الدوام الرسمي مع ذروة التسوق، يجعل الشوارع تعج بالسيارات في توقيت واحد.
2. ضعف التخطيط المروري: غياب الأنظمة الذكية لإدارة المرور وعدم وجود خطط فاعلة لتخفيف الضغط على الطرق الرئيسة.
3. البنية التحتية المتهالكة: شبكة الطرق القديمة التي لم تواكب التزايد الكبير في عدد المركبات، مع غياب مشاريع توسعة أو حلول بديلة مثل النقل الجماعي الفعال.
4. الوقوف العشوائي وإغلاق الطرق: الأسواق الرمضانية تحتل الأرصفة والشوارع، فتتحول بعض الطرق إلى ممرات ضيقة، يزداد معها الاختناق المروري.
5. غياب البدائل: في غياب النقل العام الفعال، يعتمد المواطن العراقي على سيارته الخاصة، ما يضاعف أعداد المركبات في الشوارع.
قد يظن البعض أن الأزمة تنتهي مع أذان المغرب، لكن الحقيقة أن هناك موجة أخرى من الاختناقات تبدأ بعد الإفطار، مع خروج العائلات للتنزه والتسوق وارتباط الناس بصلاة التراويح والزيارات الرمضانية، فتعود الشوارع لتشهد ازدحامات جديدة تمتد حتى وقت متأخر من الليل.
رغم أن هذه الأزمة تتكرر كل عام، فإن الجهات المعنية لم تقدم حلولًا ملموسة، ليبقى المشهد كما هو: سيارات تتكدس، وسائقون يطلقون العنان لأبواق مركباتهم، ورجال مرور يحاولون يائسين فك الاختناقات دون أدوات فعالة.
ما يحتاجه العراق اليوم ليس مجرد وعود بحلول مؤقتة، بل خطط استراتيجية تعتمد على النقل الجماعي، وتوسعة الطرق، وتحديث أنظمة المرور، ووضع سياسات واضحة لتنظيم الأسواق والأنشطة التجارية. فإلى متى يبقى المواطن العراقي عالقًا في هذه الدوامة السنوية، ينتظر أن ينجلي الغبار عن حلول لم تأتِ بعد؟
إلى ذلك الحين، سيبقى رمضان بالنسبة للكثيرين شهرًا يقضونه بين زحام الشوارع، لا بين العائلة والسفرة الرمضانية، وسينتهي نهار الصيام قبل أن يصلوا إلى موائد الإفطار، وسط صرخات الاستغاثة التي لا يسمعها أحد.