كتب : المحرر السياسي
في عالم تسوده المصالح وتغيب فيه القيم، يبرز صوت المرجعية الدينية العليا في النجف، صوتٌ لا يعرف حدودًا للجغرافيا حين يكون الحديث عن الإنسانية والواجب الأخلاقي. ليس غريبًا أن يحتضن السيد السيستاني طبيبًا عراقيًا عاد من ميدان الجراحات في غزة، وأن يستمع منه إلى أوجاع فلسطين المنكوبة، كما اعتاد أن يكون الأب الحاني الذي يثمن كل تضحية عراقية، سواء على جبهات الحرب ضد الإرهاب أو في ميادين الإغاثة الإنسانية.
الدكتور محمد طاهر أبو رغيف الموسوي، الطبيب الذي قضى سبعة أشهر في غزة، عاد محملًا بحكايات الألم والصمود، وروايات عن أطفال فقدوا حياتهم لأن المعدات الطبية لم تكن متوفرة، وعن جراح لا تندمل في مستشفيات تحت القصف. استقبله السيد السيستاني، ليس تكريمًا لفرد، بل تكريمًا لروح التضحية التي يحملها العراقيون حين يكون الواجب الإنساني نداءً لا يمكن التغافل عنه.
وفي المقابل، كان رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من بين الذين أدركوا حجم العمل الذي قدمه هذا الطبيب العراقي، فجاءت التوجيهات بمنحه وحدة سكنية وجوازًا دبلوماسيًا، ليكون رمزًا للعطاء العراقي الذي لا يُقدر بثمن.
ليس ذلك فحسب، بل جاء الإعلان عن إنشاء المستشفى العراقي في غزة، ليكون شاهدًا على التزام العراق بقضيته المركزية، وتأكيدًا على أن فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل التزام أخلاقي متجذر في ضمير العراق.
وبين استقبال السيد السيستاني لهذا الطبيب، وتكريمه من قبل الحكومة العراقية، تتجلى صورة العراق كما يجب أن تكون: وطنٌ لا ينسى أبناءه المخلصين، ولا يتخلى عن دوره في القضايا العادلة، مهما تعقدت الظروف وتعالت أصوات المصالح الضيقة.