كتب: المحرر السياسي
من بين كلّ ما شهدناه بعد عام 2003 من تغييرات وصراعات وتحديات، هناك إنجازات قليلة تستحق أن نقف عندها باعتزاز، ونضعها في سجلّ الفخر الوطني. ولعلّ واحدا من أبرز هذه الإنجازات، وأكثرها تأثيرا على حياة العراقيين واقتصادهم، هو مشروع مطار النجف الأشرف الدولي، الذي شُيّد من الصفر ليصبح اليوم من أبرز بوابات العراق إلى العالم.
حين نتحدث عن مطار النجف، فنحن لا نتحدث عن مجرد مبنى أو مدرج للطائرات، بل عن مشروع استراتيجي غيّر وجه المدينة، وأسهم في ربط العراق بمحيطه الإقليمي والدولي. المطار، الذي افتُتح عام 2008، جاء بفكرة جريئة وعزيمة استثنائية من محافظ النجف آنذاك السيد عبد الحسين عبطان، الذي لم يكتفِ بالحلم، بل سعى للحصول على الموافقات الرسمية، وذلّل العقبات الإدارية، ليحوّل الفكرة إلى حقيقة على الأرض.
اليوم، يُعدّ مطار النجف واحدا من المطارات المرخّصة دوليا، ويستقبل رحلات من مختلف دول العالم، بل أصبح محطة رئيسية لحركة ملايين الزائرين الذين يقصدون المراقد المقدسة في النجف وكربلاء على مدار العام، خصوصا في مواسم الزيارات المليونية.
أرقام تعكس حجم الإنجاز
• في عام 2022 استقبل مطار النجف الأشرف الدولي نحو 2,686,074 مسافرا، بزيادة ملحوظة عن السنوات السابقة.
• سجل المطار في العام نفسه أكثر من 23,327 حركة طيران بين إقلاع وهبوط.
• تبلغ سعة المدرج الرئيسي 3000 متر طولا و45 مترا عرضا، ما يمكّنه من استقبال الطائرات المتوسطة والكبيرة.
• المعدل اليومي للرحلات يصل إلى 19 رحلة يوميا في الأيام العادية، ويقفز إلى أكثر من 60 رحلة يوميا في مواسم الزيارة المليونية.
• وفق تقديرات إحصائية، يساهم المطار في رفد الاقتصاد المحلي بما يقارب 200 مليون دولار سنويا عبر حركة المسافرين، رسوم الطيران، وتنشيط قطاع الفنادق والنقل والخدمات.
• يقدّر أن أكثر من 70% من زائري العتبات المقدسة القادمين من الخارج يستخدمون مطار النجف كنقطة دخول أساسية إلى العراق.
هذا المشروع لم ينعش فقط الحركة الجوية، بل أسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي، وزيادة الإيرادات، وتوفير آلاف فرص العمل، وفتح الباب أمام مشاريع استثمارية أخرى في قطاع السياحة والخدمات.
إنّ ما تحقق في النجف من خلال هذا المطار، هو نموذج لما يمكن أن يفعله المسؤول الجاد إذا امتلك الإرادة والرؤية. عبطان، الذي انتقل لاحقا إلى وزارة الشباب والرياضة، لم يتوقف عن ترك بصماته، سواء في البنية التحتية أو في بناء الإنسان. لكن يبقى مطار النجف الأشرف الدولي، شاهدا على مرحلة مهمة من عمله، وعلى قدرة العراقيين على الإنجاز متى ما توفرت القيادة المخلصة والإدارة الكفوءة.
اليوم، وبعد أكثر من عقد ونصف على افتتاحه، يستحق هذا المشروع أن يُدرّس كنموذج تنموي ناجح في عراق ما بعد 2003، لأنه لم يكن مجرد حلم محلي، بل خطوة استراتيجية أسهمت في جعل النجف مدينة عالمية، وفتحت نافذة أمل واسعة أمام مستقبل أفضل للعراق واقتصاده.