خاص — بغداد الاخبارية
من أكبر المفارقات المخجلة في التجربة السياسية العراقية أن أكثر من 150 نائباً غابوا عن جلسات البرلمان منذ التصويت على حكومة السيد محمد شياع السوداني، دون أن يرفّ لهم جفن، ومع ذلك يستعدون اليوم لخوض الانتخابات مجدداً وكأنهم أدّوا واجبهم الوطني على أكمل وجه.
الأدهى أن هؤلاء الغائبين لم يعرف لهم موقف مشرّف ولا إنجاز يُذكر، ومع هذا يضمن لهم القانون العودة إلى مقاعد السلطة، فقط لأنهم لا ينتمون لحزب البعث ولا عليهم أحكام جنائية ، هكذا يبدون مطمئنين، بعد أن استهلكوا المليارات من خزينة الدولة بلا فائدة، وكأن الشعب لا يستحق حتى الاعتذار ، أليس هذا فساداً سياسياً صارخاً يستحق تدخل القضاء؟
الأكثر مرارة أن العراق يشهد استبعاد قادة وطنيين خدموا البلاد مثل الفريق عبد الغني الأسدي والفريق نجم الجبوري، فيما يُفتح الباب واسعاً أمام نواب كسالى لم يحضروا ولم يشرّعوا ولم يراقبوا ، أي عدالة هذه التي تُقصي رجال النصر وتُبقي على وجوه استهلكت النظام السياسي وأضعفت التشريع؟
لقد فشل البرلمان في تعديل قانون الانتخابات بشكل عادل، لكنه نجح سريعاً في تمرير قوانين منحته امتيازات فاحشة ، رواتب ضخمة، جوازات دبلوماسية، قطع أراضٍ، امتيازات ما أنزل الله بها من سلطان، لولا تدخل المحكمة الاتحادية التي وضعت حداً لهذا الانحدار.
أما المفوضية العليا للانتخابات فهي مجرد منفّذ للقانون، بينما تتحمل وزارات الدفاع والداخلية والتعليم والنزاهة والمساءلة مسؤولية التدقيق، وقد قامت بدورها. لكن الحقيقة أن الشروط القانونية وحدها غير كافية لإبعاد النواب الذين خذلوا جمهورهم.
البرلمان اليوم أصبح رمزاً للتقاعس، لا للإصلاح ، نواب يعيش بعضهم في بريطانيا وأمريكا وأوروبا وإيران، يتمتعون بحمايات خاصة تكلف الدولة مليارات، وكأن العراق شركة أمنية لحماية أشخاص لا يقدمون شيئاً للوطن.
ومع اقتراب الانتخابات، تستعد وزارة الداخلية لتخصيص 3500 حماية جديدة للنواب القادمين، بينما يستمر امتياز النواب الحاليين والسابقين منذ خمس دورات كاملة ، النتيجة: سلطة تشريعية عاجزة، فاقدة للإرادة الوطنية، تتحول يوماً بعد آخر إلى عبء ثقيل على موارد العراق ومستقبل شعبه.