يُعد ملف خور عبدالله واحداً من أكثر الملفات الشائكة بين العراق والكويت منذ أكثر من ثلاثة عقود، إذ يرتبط بالنزاع على الحدود البحرية والسيادة على الممرات المائية الحيوية. تعود جذور الخلاف إلى مرحلة ما بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، حيث فرض مجلس الأمن الدولي عام 1993 عبر القرار 833 ترسيماً جديداً للحدود البرية والبحرية بين البلدين، الأمر الذي اعتبره العراق مجحفاً، خصوصاً فيما يتعلق بخور عبدالله الذي يمثل شرياناً رئيسياً لموانئه البحرية.
يكتسب خور عبدالله أهمية استراتيجية واقتصادية بالغة، فهو المنفذ البحري الأهم للعراق نحو الخليج العربي، ويخدم ميناء أم قصر ويؤثر بشكل مباشر على مشروع ميناء الفاو الكبير، بينما ترى الكويت فيه مساحة حيوية لمشروعاتها البحرية وعلى رأسها ميناء مبارك الكبير على جزيرة بوبيان. هذا التداخل في المصالح جعل من المنطقة محوراً لصراع سياسي وقانوني طويل الأمد.
في عام 2012، وقع العراق والكويت اتفاقية لتنظيم الملاحة في خور عبدالله، صادقت عليها بغداد في 2013، إلا أن الاتفاقية أثارت موجة من الغضب والجدل داخل العراق، حيث اتهمت الحكومات المتعاقبة بالتفريط بحقوق البلاد البحرية. ويرى معارضو الاتفاقية أن الكويت تحاول عبر تطوير ميناء مبارك الكبير تضييق الخناق على العراق وتقليص إمكانية استفادته من ممراته البحرية، خاصة مع تعثر تنفيذ مشروع ميناء الفاو العملاق.
شهد الملف في السنوات الأخيرة تصعيداً سياسياً وإعلامياً متكرراً، خصوصاً مع تنامي الأصوات العراقية المطالبة بإلغاء اتفاقية 2012 وإعادة التفاوض على الحدود البحرية. من جهتها، تؤكد الكويت أن جميع الإجراءات المتعلقة بالترسيم تمت وفق قرارات الأمم المتحدة، وأن أي تراجع عن تلك القرارات يمس سيادتها. وبينما يتبنى العراق خطاباً أكثر تشدداً تجاه هذا الملف، يتحدث بعض الساسة عن خيار اللجوء إلى محكمة العدل الدولية إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات جديدة تضمن مصالحه.
النزاع حول خور عبدالله لا يقتصر على كونه خلافاً حدودياً، بل يمتد ليشكل تحدياً اقتصادياً واستراتيجياً، إذ يؤثر بشكل مباشر على مستقبل النقل البحري العراقي وعلى مشاريع البنى التحتية المرتبطة بالموانئ. كما يمثل اختباراً للعلاقات العراقية الكويتية التي شهدت تحسناً نسبياً بعد عام 2003، لكنه يبقى هشاً في ظل غياب حلول مرضية للطرفين. في ظل هذه المعطيات، تبدو الحاجة ماسة إلى مفاوضات جديدة تعتمد على لغة المصالح المشتركة، مع مراعاة الالتزامات الدولية، من أجل تجنب تصعيد قد يؤثر على استقرار المنطقة ككل.