لم تكن معركة الطف الخالدة فب كربلاء ساحة للحرب فحسب بل سطرت اروع صورة التضحية و الثبات على الحق حتى مثلت هذه الواقعة واحدة من أعظم المحطات التاريخية في الذاكرة الإسلامية، إذ تجسدت فيها أسمى معاني الصمود والتضحية في وجه الظلم والطغيان، فقد وقعت هذه الملحمة الخالدة في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة بين جيش الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، حفيد النبي محمد، وجيش الدولة الأموية بقيادة يزيد بن معاوية الذي سعى لتثبيت سلطته بالقوة والتهديد.
ورغم الفارق الهائل في العدد والعدة بين المعسكرين، إذ كان الحسين ومعه أهل بيته وأصحابه قلة قليلة، واجهوا جيشًا قوامه الآلاف، إلا أن معركة كربلاء لم تُقَس بمعايير القوة العسكرية، بل كانت ساحة اختبار للقيم والمبادئ والكرامة، لقد سطّر الحسين وأصحابه ملاحم البطولة وهم يدافعون عن الحق والعدالة، رافضين البيعة لطاغية أراد أن يحكم الأمة بالإجبار ويحوّل الخلافة إلى ملكٍ عضوض.
مع أن المعركة انتهت باستشهاد الحسين وغالبية أصحابه، ووقوع نسائه وأطفاله في الأسر، فإن الرسالة التي حملوها انتصرت ودوّى صداها في العالم الإسلامي، إذ لم تنطفئ شعلة ثورتهم، بل ظلت متقدة في ضمير الأحرار، تُلهِم الأجيال قيم التضحية والثبات على المبدأ.
لقد تحوّل استشهاد الحسين إلى رمز خالد لانتصار الدم على السيف، لأن السيف قتل الجسد، لكنه لم يتمكن من إسكات الكلمة، ولم ينجح في وأد الحقيقة، بل زادها إشراقًا وانتشارًا، ومن كربلاء بدأ الوعي الشعبي والسياسي يتنامى، وأصبحت هذه الواقعة منطلقًا لحركات إصلاحية وثورات عبر التاريخ.
واقعة كربلاء لا تزال حاضرة في وجدان الأمة، ليس فقط كمأساة إنسانية، بل كدرسٍ خالد في مقاومة الظلم والانتصار للحق، وفيها تجلت مقولة الإمام الحسين الشهيرة "هيهات منا الذلة" التي أصبحت شعارًا للمظلومين في كل زمان ومكان.