كتب: المحرر السياسي
إنها عاشوراء، تُلبس بغدادُ سوادها الأبدي وتنهضُ من عمقِ الجراحِ إلى قِممِ الولاء، في هذه الليالي التي يتساوى فيها الحزنُ مع الكبرياء، وينهضُ العراقيون من كلِ حيٍ وزقاقٍ من الرصافة الى الكرخِ، من مدينةِ الصدرِ حتى المنصور، ومن الأعظميةِ حتى الكاظمية، مجددين العهد مع الحسين (عليه السلام)، ومعلنين أن نداء الحسين (هيهات منا الذلة) لا يزال يصدحُ من بينِ الركامِ والدمار.
القلوبُ معلقةٌ بصباحِ العاشر، حيث يُرفعُ الرأسُ بفخرٍ بين جموعٍ تزحفُ إلى العتبات، والحناجر تهتفُ بثورةٍ كربلاء الخالدة، لا تُطفئها رياحُ السياسةِ ولا مؤامراتُ الداخلِ والخارج..
من الكرادة، التي ما زالت تحملُ وجعَ الصادقين، إلى الكاظمية، التي يروي تاريخَها الحروفِ الثائرة، إلى أطرافِ الدورة والشعلة، وكل شارع في بغدادَ وكل محلة وزقاق تنادي: إن دمَ الحسين لم يجف، وإن دربَ الإصلاحِ لا يُسلكُ إلا بالتضحيات، والوطن لا يُحفظُ إلا بالثباتِ على المبادئ.
في هذه الذكرى، تتجددُ معادلاتُ السيادةِ والكرامة، وترتفعُ الأصواتُ من حناجرِ الخطباءِ والحشود: أن لا كرامة لوطن يُهددُ أمنَها الفاسدُين والمبتزين.
أما رسائلُ الحسين، فهي واضحةٌ في كلِ خيمةٍ نُصبت في مدينة الصدر والكرادةِ والزعفرانيةِ وبغدادَ الجديدة: أن لا بديلَ عن العراق، ولا مساومةَ على قدسيةِ الدماء، ولا حوارَ مع قاتلٍ يتخفى خلفَ شعاراتِ الاستثمارِ والاعمار، وهو يدُ الفسادِ والإذلال.
وفي الزمانِ الذي تتزايدُ فيه الضغوطُ لتطويعِ القرارِ العراقي، تُبعثُ من مواكبِ البياع والسيدية وحي العامل رسائلُ الوفاء: أن لا مساومةَ على الحـ.شدِ، ولا تراجعَ عن دماءِ القادةِ الشـ.هداءِ، من المـ.هندس حتى آخرِ قطرةٍ سقطت في سامراء والأنبار.
إنها بغدادُ العاشورائية، التي لا تنكسر، ولا تنسى، ولا تغفر.. وستبقى، كما كانت، خيمةَ الثورةِ والإباء، ومأوى الأحرار.. تُجددُ في كل عاشوراء، البيعةَ الخالدة: يا حسين، ما تركناك.