بقلم: المحرر السياسي
في وقت تعاني فيه الدولة العراقية من تحديات اقتصادية متراكمة، يجد أكثر من ألف موظف في إدارة المطارات أنفسهم اليوم في قلب كارثة إدارية لا تقلّ خطرا عن أي أزمة وطنية. فالقرار الصادر حديثا بفصل إدارة المطارات عن شركة الملاحة الجوية لم يكن مجرد خطوة تنظيمية كما قيل، بل كان شرارةً أضرمت نيران الفوضى في مؤسسة ناجحة، وألقت بمئات العائلات إلى مصير مجهول.
قبل القرار، كانت شركة “إدارة المطارات والملاحة الجوية” نموذجا نادرا في القطاع العام؛ شركة تمويل ذاتي، تُغطي رواتب موظفيها من إيراداتها التشغيلية، دون أن تكلّف الدولة دينارا واحدا.
إيراداتها الشهرية وصلت احيانا إلى أكثر من 20 مليار دينار عراقي، تغطي جميع تكاليف التشغيل وتحقق أرباحا كبيرة.
لكن القرار المفاجئ بفصل الإدارة عن الملاحة أدى إلى نقل 1041 موظفا من التمويل الذاتي إلى وزارة النقل مباشرة، دون غطاء مالي واضح، ودون إعادة هيكل تنظيمي فعّال يضمن استمرارية الأداء ولا الحقوق.
منذ تنفيذ القرار، لم تُصرف أي رواتب لهؤلاء الموظفين.
وزارة النقل ترمي الكرة في ملعب وزارة المالية، والأخيرة تقول صراحة: “هؤلاء خارج الميزانية ولا تخصيص لهم”.
هكذا ببساطة، تُعلق مصائر العائلات العراقية بين وزارتين، ويصبح الموظف الذي خدم بلاده لعقود، بلا دخل، بلا أمان وظيفي، وبلا حتى وعدٍ بالمستقبل.
في خضم هذه الفوضى، يبرز تساؤل جوهري: لماذا يُفكّك كيان ناجح بدلا من دعمه؟ ولماذا يُفرغ بهذه الطريقة استعدادا لما يبدو أنه تمهيد واضح للاستثمار الأجنبي في المطارات العراقية؟
في الأيام القليلة الماضية، تقدّمت شركات استثمارية بعروضها بالفعل، ويُتوقع أن تبدأ عقود التشغيل اعتبارا من 1 حزيران المقبل.
الموظفون الحاليون، بعد أن تم نزعهم من الشركة وتحويلهم إلى “قسم” داخل وزارة النقل، لن يكونوا ضمن الهيكل الجديد. رواتبهم ستُدفع من الخزينة العامة، بينما يتسلم المستثمرون مفاتيح مطارات جاهزة بمواردها البشرية والمادية.
ما يجري يُفسّر على نطاق واسع كنوع من الخصخصة المقنّعة؛ حيث تُنقل الأصول الجاهزة والمربحة من الدولة إلى مستثمرين، بينما تحتفظ الحكومة بأعباء الرواتب والتعويضات.
وهذا النموذج، إذا تم تعميمه، لا يُعد إصلاحا اقتصاديا، بل إفقارا للدولة وإغناءً للقطاع الخاص على حسابها.
في المقابل، يستمر الموظفون في اعتصاماتهم ومحاولاتهم للحصول على رواتبهم، دون أن يلقى صوتهم صدىً فعليا داخل مؤسسات القرار.
وما زال في الإمكان تدارك الأمور:
• إعادة النظر بالقرار الوزاري الذي فصل الكيان الناجح.
• ضمان صرف الرواتب فورا لكل الموظفين.
• إيقاف العقود الاستثمارية لحين إنهاء أزمة الموظفين وتوضيح تفاصيل العروض الأجنبية.
• التحقيق في خلفيات القرار ومن كان وراء تفكيك مؤسسة رابحة.
العراق لا تنقصه الكفاءات ولا الإرادات، بل يحتاج فقط إلى قرارات وطنية تُغلّب المصلحة العامة على العقود السريعة.