في بلادٍ تفيض ميزانياتها بمليارات الدنانير وتُسرف في الشعارات، يُمتحنُ الطلاب تحت أشعة الشمس اللاهبة، لا في الأسئلة الوزارية فحسب، بل في قسوة الواقع، وجفاف المسؤولية، وبرودة الضمير.
هنا العراق، حيث تنقلب قاعات الامتحان إلى أفرانٍ صيفية، خالية من الكهرباء و الماء، محرومة من أبسط مقومات الرحمة، فيما تُسجل حالات إغماء لطلبةٍ لم يقاوموا لهيب الحر وإهمال الدولة معا.
وزارة التربية التي تنشغل بإعلانات “الكاميرات الذكية” و”أنظمة المراقبة الإلكترونية”، تغفل عن أبسط حقوق الطلبة في قاعة امتحان لا تختبرهم وحدهم، بل تفضح هشاشة النظام الإداري، وتُعيد السؤال المؤلم: أين ذهبت مليارات التربية؟ وأين ذهبت كرامة التعليم؟
وبين صمت الجهات المعنية، وغضب الشارع التربوي، ينبري باحثون وتربويون ليحمّلوا وزارة التربية ومديري المديريات مسؤولية ما يجري، بل ويسألون بصوتٍ لم يعد يحتمل المجاملة: من أين لك هذا؟ حين يمتلك بعضهم مليارات، وسيارات فارهة، والطلبة يمتحنون بلا مروحة ولا قطرة ماء.
في وقتٍ وجّه فيه وزير الكهرباء باستثناء المدارس من القطع المبرمج، يبقى الواقع أبعد ما يكون عن البيانات، وتتحدث الوقائع عن غياب الوقود، غياب الكهرباء، وغياب الضمير.
هكذا تُدار منظومة التعليم في العراق، بمنطق الشعارات لا الخطط، وبإعلانات رقمية تغطّي واقعا ورقيا متصدعا.
في امتحانات العراق، لا يُمتحن الطالب وحده، بل تُختبر الدولة، وتُفضح إدارتها، ويتجلى عمق ما تراكم من فساد وإهمال لعقود.