تقرير: محمد الصادق
في عالم كرة القدم حيث نادراً ما تشهد عودة اللاعبين من الاعتزال، جاءت قصة الحارس البولندي المخضرم فويتشيك تشيزني لتحاكي أحداثاً استثنائية. بعد أن أعلن اعتزاله رسمياً في صيف 2024 بعد مشاركته مع منتخب بولندا في يورو 2024، قرر تشيزني العودة إلى الملاعب خلال أشهر فقط من اعتزاله، ليكتب فصلاً جديداً في مسيرته مع نادي برشلونة الإسباني العريق .
قرار الاعتزال والأسباب وراءه، أعلن تشيزني اعتزاله كرة القدم في أغسطس 2024 بعد مسيرة حافلة امتدت لـ15 عاماً في الملاعب الاحترافية، لعب خلالها لصالح أندية مرموقة مثل آرسنال الإنجليزي وروما ويوفنتوس الإيطاليين . وقد برر تشيزني قراره بالرغبة في التركيز على حياته العائلية مع زوجته وأطفاله، بعد أن حقق العديد من الإنجازات مع الأندية التي لعب لها ومنتخب بولندا الذي مثلّه في 84 مباراة دولية .
العودة من الاعتزال لإنقاذ برشلونة، لم تمض سوى أسابيع قليلة على قرار الاعتزال، حتى وجد تشيزني نفسه أمام تحدٍ جديد. تعرض حارس برشلونة الأساسي الألماني مارك أندريه تير شتيغن لإصابة خطيرة في الرباط الصليبي للركبة، أبعدته عن الملاعب حتى نهاية الموسم . هنا تدخل القدر، حيث اتجهت أنظار مسؤولي برشلونة إلى تشيزني الذي كان لا يزال لاعبا حراً بعد اعتزاله، مما جعل التعاقد معه ممكناً خارج فترات الانتقالات الرسمية .
التحدي: إقناع حارس معتزل بالعودة
كانت مهمة إقناع تشيزني بالعودة إلى الملاعب ليست سهلة. إلا أن الحارس البولندي وجد في التحدي الجديد مع برشلونة فرصة لا تعوض. قال تشيزني في تصريحات لاحقة: "أنا عندما قبلت هذا التحدي، أي العودة من الاعتزال، فعلت ذلك لأنني كنت مؤمنًا أن هذا الفريق يمكنه أن يفعل شيئًا استثنائيًا، وأردت فقط أن أكون جزءًا من ذلك" . كما أضاف أنه شعر بأن رفض هذه الفرصة سيكون "من عدم الاحترام" نظراً للوضع الصعب الذي مر به النادي الكتالوني بعد إصابة حارسه الأساسي .
بداية الانطلاق: بداية جديدة في برشلونة، في أكتوبر 2024، أعلن برشلونة رسمياً تعاقده مع تشيزني بعقد لمدة عام واحد . اجتاز الحارس البولندي البالغ من العمر 34 عاماً الفحوصات الطبية بنجاح، وبدأ فصلاً جديداً في مسيرته الكروية مع أحد أكبر الأندية في العالم . اختار تشيزني الرقم 25 لقميصه مع الفريق الكتالوني، مبتعداً عن الرقم 1 الذي اعتاد ارتداءه في معظم مسيرته .
لم يكن تشيزني مجرد حل مؤقت لسد الفراغ، بل قدم مستويات مميزة تحت قيادة المدرب هانسي فليك، ساهمت في تحقيق الفريق للعديد من الإنجازات. توج تشيزني مع برشلونة بكأس السوبر الإسباني و كاس الملك الاسباني بعد انضمامه . كما ساعد الفريق في المنافسة على ثلاث بطولات أخرى في الموسم ذاته، مما جعل إدارة النادي تفكر في تمديد عقده لموسم إضافي .
رفض العودة للمنتخب والتركيز على النادي، في مارس 2025، كشفت تقارير صحفية أن تشيزني رفض عرضاً من مدرب منتخب بولندا ميشال بروبيرز للعودة إلى المنتخب الوطني، مفضلاً التركيز كلياً على مسيرته مع برشلونة . هذا القرار يعكس مدى التزام تشيزني بالتحدي الجديد وإيمانه بقدرته على تقديم المزيد مع النادي الكتالوني، رغم اعتزاله الدولي الرسمي.
الإيمان بالحلم وتحويله إلى واقع، كشف تشيزني عن فلسفته التي قادته للعودة من الاعتزال بقوله: "الآن وصلنا إلى لحظة في الموسم، حيث يجب تحويل الأحلام إلى أهداف ملموسة، لأننا وصلنا إلى مرحلة لا مجال فيها للإخفاء، كل البطولات المتبقية هذا الموسم أصبحت أهدافنا. لذا، الأمر ممتع جدًا بالنسبة لي" . هذه العقلية التنافسية هي التي ميزت تشيزني طوال مسيرته، وجعلته قادراً على تقديم أداء مميز رغم تقدمه في السن.
قصة إنسانية قبل أن تكون رياضية، قصة تشيزني مع برشلونة ليست مجرد قصة عودة من الاعتزال، بل هي قصة إنسانية عن الإيمان بالتحدي والقدرة على صنع الفارق. من اعتزال كرة القدم للتركيز على أسرته، إلى العودة لمساعدة فريق في أزمة، ثم التألق وإضافة ألقاب جديدة إلى سجله الحافل. تشيزني أثبت أن العمر مجرد رقم عندما يتعلق الأمر بالشغف والاحترافية، وأن القرارات الصعبة قد تقود إلى أروع لحظات المجد.
اليوم، يقف تشيزني كشاهد على أن القصص الاستثنائية ممكنة في عالم كرة القدم، وأن الاعتزال قد يكون مجرد محطة وليس نهاية المطاف بالنسبة للعظماء الذين لم ينضب شغفهم.