كتب: المحرر السياسي
في عُمان، حيث تُصاغ رسائل التهدئة وتُوشّح الحلول بلغة الحياد، يتحرك المشهد مجددا على وقع لقاء مرتقب بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. لقاءٌ غير مباشر… نعم، لكن صدى انعقاده يلامس أعماق الصراع، ويعيد خلط أوراق السياسة على الطاولة الإقليمية المشتعلة.
ليست مسقط مجرد جغرافيا هادئة، بل هي عقل دبلوماسي بارد يُجيد هندسة خطوط التواصل بين أضداد لا يجمعهم سوى الصدام. هناك، على ضفاف الخليج، يستعيد عراقجي دوره الذي برع فيه منذ أيام الاتفاق النووي، لكن هذه المرة، لا يواجه دبلوماسيين من الوزن الثقيل، بل رجل أعمال متشدد لا يخفي ولاءه لترامب، ولا عداوته لطهران.
ستيف ويتكوف، المطور العقاري وصاحب المشاريع الضخمة في نيويورك وفلوريدا، يدخل المعترك السياسي من بوابة الشرق الأوسط، محمَّلا بخلفية عقائدية منحازة، لا تفاوض فيها على دور إيران، ولا تليين في موقفه من المقاومة. فهل نحن أمام مفاوضات… أم أمام محاولة فرض إملاءات تحت غطاء الحوار؟
الإدارة الأميركية، على ما يبدو، اختارت أسلوبا خارج السياق الدبلوماسي المعتاد، فتقدّم رجلا من رجال ترامب ليقود الحوار مع دولة لا تعترف إلا بالندية، ولا تستجيب للضغط إلا بمزيد من التحدي. وهنا، تُطرح الأسئلة الكبرى:
هل هي محاولة اختبار من واشنطن لمرونة الموقف الإيراني؟ أم مجرد ورقة ضغط جديدة تُمهد لما بعدها؟
في المقابل، تدرك طهران أن الطريق إلى أي اتفاق يبدأ من اختبار النوايا. وعراقجي، بخبرته التفاوضية الطويلة، يعرف كيف يُفرغ التصعيد من مضمونه، ويُحمّل اللقاء أثقال السياسة، لا انفعالات الأيديولوجيا.
وفي الخلفية، تبقى عُمان هي الرابح الأول. فهي تمسك بخيوط اللعب الإقليمي، دون أن تحترق بنيران الأطراف، وتبني مكانتها كجسر عبور بين من لا يعبرون.
إذا كان لقاء السبت في مسقط اختبارا، فهو ايضا فرصة. وإذا كان ويتكوف يدخل اللقاء بعين ترامب، فإن عراقجي يدخله بعقل الثورة، وثقة التجربة. وبين الرجلين، تكتب الدبلوماسية فصلا جديدا… إما نحو التصعيد المنضبط، أو بداية لتهدئة مشروطة.