كتب: المهندس حسن الدراجي
شهد العراق تحولات جذرية في نظامه السياسي بعد سقوط النظام السابق في عام 2003، حيث انتقل إلى نظام ديمقراطي اتحادي كان من المفترض أن يحقق العدالة والمساواة بين جميع أبناء الوطن. غير أن التجربة السياسية التي أعقبت هذا التحول أظهرت تحديات كبيرة، أبرزها استمرار النزعة المناطقية في توزيع السلطة، مما أدى إلى تفاوت فرص التنمية والخدمات بين المحافظات.
وطوال عقود، احتكر نظام الحكم السابق المناصب العليا لصالح مناطق محددة، حيث كان النفوذ السياسي والإداري متركزًا في محافظة صلاح الدين، لا سيما قرية العوجة، التي خرج منها أغلب المسؤولين الذين سيطروا على مفاصل الدولة. كان يتم تعيين أبناء هذه المنطقة في المناصب السيادية، بما في ذلك المحافظون في مختلف المحافظات، ما تسبب في إقصاء العديد من المناطق الأخرى من المساهمة الفاعلة في إدارة البلاد.
وبعد عام 2003، أُتيحت الفرصة للعراق كي يؤسس نظامًا ديمقراطيًا أكثر شمولًا، حيث أصبح البرلمان المنتخب هو الجهة المخولة باختيار رئيس الوزراء، بغض النظر عن مسقط رأسه. ومع ذلك، ورغم التغيير السياسي، استمرت المحاصصة المناطقية والمحسوبية في التأثير على عملية تشكيل الحكومات المتعاقبة، ما أدى إلى ضعف الأداء الحكومي وانعدام التوازن في توزيع المشاريع والخدمات.
تمتلك النجف مكانة استثنائية في تاريخ العراق، ليس فقط باعتبارها مركزًا دينيًا عالميًا يضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بل أيضًا كمركز علمي وفكري وسياسي بارز. فقد كانت النجف عبر التاريخ منبعًا للحركات الإصلاحية والوطنية، وأسهمت في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي للعراق والمنطقة.
وبعد 2003، عززت النجف دورها السياسي والاجتماعي، حيث أصبحت أحد المحاور الرئيسية في رسم ملامح المشهد العراقي. وإضافة إلى مكانتها الدينية، فإن ثقلها الثقافي والسياسي يجعلها مؤهلة للعب دور محوري في قيادة العراق نحو الاستقرار والإصلاح، مستندة إلى قيم الحكمة والعدالة والكفاءة.
في ظل الظروف الحالية، أصبح من الضروري البحث عن نماذج قيادية جديدة تمتلك القدرة على تقديم حلول عملية للنهوض بالعراق. ومن بين الشخصيات البارزة التي يمكن أن تقدم رؤية متكاملة للحكم، يبرز اسم المهندس عبد الحسين عبطان، الذي يتمتع بخبرة كبيرة وكفاءة مشهودة في المناصب التي تولاها، خصوصًا خلال فترة إدارته لوزارة الشباب والرياضة.
لقد نجح عبطان في تحقيق إنجازات ملموسة خلال توليه الوزارة، حيث ركّز على تطوير المشاريع الرياضية والشبابية في جميع المحافظات، بعيدًا عن المحاصصة الطائفية والمناطقية والحزبية، وهو نهج يفتقده العراق في معظم مؤسساته. كما أظهر قدرة على الإدارة الفعالة وتحقيق نتائج ملموسة تخدم جميع أبناء الوطن، ما يجعله نموذجًا قياديًا قادرًا على إحداث تغيير إيجابي في طريقة إدارة الدولة.
إن تقديم النجف لنموذجها في الحكم، عبر شخصيات كفؤة تمتلك رؤية واضحة وإرادة إصلاحية مثل المهندس عبد الحسين عبطان، قد يكون خطوة مهمة نحو تحقيق الحكم الرشيد في العراق. فقد أثبتت التجربة أن نجاح إدارة الدولة لا يعتمد على الانتماءات الضيقة، بل على الكفاءة والعدالة والقدرة على إدارة التحديات بواقعية ومسؤولية.
العراق اليوم بحاجة إلى قيادة تمتلك رؤية استراتيجية للنهوض بالبلاد، قيادة تتجاوز الانقسامات والمصالح الضيقة، وتعمل من أجل الجميع. وإذا ما تبنت النجف هذا الدور، فقد تكون قادرة على إحداث نقلة نوعية تعيد للعراق استقراره ومكانته، وتلبي تطلعات شعبه نحو مستقبل أكثر ازدهارًا.