ايات العميري — بغداد الاخبارية
في وقتٍ تتصاعد فيه مؤشرات الجفاف إلى مستوى ينذر بالخطر بواقع 3.7 درجات من أصل 5 اختارت بغداد أن تفتح صفحة جديدة مع أنقرة عبر اتفاقٍ ثنائي مثير للجدل ينظم تدفقات نهري دجلة والفرات ، الاتفاق، الذي وُقّع وسط أزمةٍ خانقة تهدد الأمن الغذائي والاقتصادي للعراق، يوصف بأنه خطوة شجاعة من جهة، ومغامرة سيادية من جهةٍ أخرى.
فبينما ترى الحكومة العراقية فيه مخرجاً مؤقتاً من الاختناق المائي، تحذر اللجنة البرلمانية للزراعة والمياه من ترك الاتفاق دون إطار قانوني مُلزم يضمن حصة واضحة للعراق ويحميه من تقلبات المزاج السياسي والمناخي.
الاتفاق لا يقتصر على المياه فحسب، بل يمتد إلى مشاريع اقتصادية وزراعية وصناعية مشتركة، وتبادلٍ للخبرات في مجالات الري والتقنيات الزراعية، ما يعكس رغبة الطرفين في توسيع التعاون إلى ما وراء الحدود النهرية لكن المعضلة تكمن في التفاصيل فالاتفاق يمنح تركيا حق الإشراف على إدارة السدود والإطلاقات المائية لمدة خمس سنوات، مع نقل التقنيات اللوجستية حصراً تحت إدارتها، وهو ما يراه مراقبون تغلغلاً تقنياً وسياسياً في مفاصل القرار المائي العراقي.
مصادر مطلعة تحدثت عن تعهد تركي بإطلاق مليار متر مكعب خلال الفترة المقبلة، من دون المساس بخزانها الذي يتجاوز 90 مليار متر مكعب، في إشارة إلى أن أنقرة لا تنوي التنازل عن موقعها المهيمن ، ورغم أن هذه الخطوة قد توفر استقراراً مؤقتاً في الإطلاقات، إلا أن خبراء يحذرون من غياب آليات واضحة للطوارئ المناخية، مثل زيادة التدفقات في مواسم الجفاف الشديد أو عند انخفاض مناسيب السدود العراقية.
البرلمان بدوره شدد على أن الاتفاق يجب أن يكون شاملاً وشفافاً، وأن يُطرح للرأي العام لأنه يمس حياة الملايين ومستقبل الزراعة والغذاء في البلاد.
في النهاية، يبدو أن الاتفاق المائي بين بغداد وأنقرة يقف على مفترق حساس إما أن يكون منعطفاً تاريخياً يعيد التوازن للعراق، أو باباً خلفياً لتقويض سيادته المائية تحت غطاء التعاون الفني ، وما بين الوعد التركي والقلق العراقي، تبقى الحقيقة أن الماء أصبح سلاحاً ناعماً في لعبة النفوذ الإقليمي، والعراق لا يحتمل خسارة جولة أخرى.