كتب: ليث الربيعي
في رحوفوت جنوب تل أبيب، كانت صافرة الانذار لا تملك الوقتَ الكافيَ لتحذر، ولا قبة اسرائيل الحديديةُ القدرةَ الكافيةَ لتحمي. فجاء الصاروخ المرسل بدقة نحو القلبَ الزجاجيَّ لما يُسمى بـ”معهد وايزمان”، فأصابت شظاياه أكثرَ من مجرّد مختبر… بل أصابت أسطورةَ “التفوّق العلمي” الذي طالما تباهى به الكيان.
في المكان الذي وُلدت فيه أبحاثُ الطائرات المسيّرة، وتغذّت فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية، واشتدّ عودُ تقنيات التوجيه الدقيق والرؤية الحرارية، جاء الردّ من طهران بحجم الجُرم الذي يمارسه المعهد… لا باعتباره صرحا علميا، بل غرفة عمليات خلفية لجيش يقتل، ويحتل، ويستبيح كلّ شيء.
“وايزمان”… ليس اكاديمية فقط، بل رأسُ حربةٍ تكنولوجية في جسد الاحتلال.
فمنذ أن أسسه حاييم وايزمان – أولُ رئيس لكيان الاحتلال – كـ”مختبر صغير” في ثلاثينيات القرن الماضي، صار بمرور السنوات مصنعَ عقلٍ مخصصٍ لأمن تل أبيب. هناك، تُولد برمجيات المراقبة، وتُحلل البيانات الاستخبارية، وتُختبر نماذج التوجيه والتشويش والتخفي، وتُصاغ أدواتُ الحروب القادمة… فهل يبقى خارجَ معادلة الرد؟
لا غرابة في أن يتلقى وايزمان دعما لا محدودا من الجاليات الصهيونية، ومنظمات الضغط اليهودية، وحتى بعض الجامعات الغربية التي ترى فيه شريكا في الحلم الإسرائيلي. لكنه – في جوهره – خزانُ المعرفة العسكرية، ومصنعُ الابتكار القاتل، ومنصةُ تطوير أدوات التحكم عن بُعد في المشهد الفلسطيني والسوري والإيراني واللبناني.
إنه العصب التكنولوجي لمعظم الصناعات الدفاعية، من الطائرات المسيرة، إلى أنظمة التتبع، إلى الأقمار الصناعية الموجهة، إلى الشيفرات العسكرية… وهذا ما جعل ضربة “وايزمان” ليست فقط رسالة مدوّيةً، بل نقلة نوعية في ميزان الردع.
أصيب “وايزمان”، فاهتزّت تل أبيب. لا لمقتل ثمانية فقط، ولا لمشهد الغبار المنبعث من الزجاج المحطم، بل لأن أحدَ أهمّ مفاتيح البقاء الصهيوني قد تكسّر. لقد ضُربت هندسةُ السيطرة، ومعها سقط وهمُ أن الحرب تُدار من خلف الشاشات فقط.
وما بين استنجاد أمريكي متأخر، وتخبط داخلي صهيوني متزايد، ظهر جليا أن الزمن الذي كانت فيه مراكز الكيان محصنة قد ولّى. فوايزمان، كغيره من “أهداف العمق”، لم يعد بوسعه أن يتخفّى خلف ستار البحث الأكاديمي أو أن يختبئ بين طلاب الماجستير والدكتوراه.
ما بعد وايزمان لن يكون كما قبله. لا لتل أبيب، ولا لحلفائها، ولا حتى لواشنطن التي تسعى لتطويق الحريق عبر وساطات لفظية لا تداوي جراح الحقيقة:
أن المعركة وصلت إلى عقولهم، إلى أدمغتهم، إلى نُسغ بقائهم.
لقد قرر المحور… أن زمن البقاء في قمة السلم دون تكلفة قد انتهى.
ومعهد وايزمان… كان أول العناوين.