كتب: المحرر السياسي
في الأزمات، يظهر معدن الشعوب، وتنكشف نوايا الساسة. لكن ما يحدث في العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، لم يعد مجرّد خلاف إداري على الرواتب أو تفسير دستوري لبعض المواد، بل أزمة مركبة عنوانها الأبرز: “أين تذهب ثروات الإقليم؟”
لقد أظهرت التجربة بوضوح أن حكومة إقليم كردستان، وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني، لا يتعامل مع بغداد بوصفها شريكا دستوريا، بل بوصفها خصما يجب إحراجه أمام الداخل والخارج. يتم التفاوض على النفط، كما لو كان ملكية خاصة، وتُمنع فرق التدقيق المالي من دخول الإقليم، وكأنها قوة احتلال، بينما يُستخدم الشعب الكردي كدروع بشرية سياسية لتغطية قرارات فوقية لا تمثل مصالحه.
إن من المخزي أن يتضور مواطنو الإقليم جوعا، وأن يقف الموظفون في طوابير الذل على رواتب لا تُصرف إلا بقرار سياسي، في وقت تُهرب فيه الثروات عبر المعابر غير الشرعية، وتُباع براميل النفط في صفقات خارجية لا تخضع لأي رقابة اتحادية أو حتى محلية.
ولأن الكلمة الحرة في أربيل تُخنق، فقد تحوّل الإعلام الكردي الرسمي إلى جدار صد، لا لنقل الحقيقة، بل لحماية الخرق. والنتيجة إمبراطورية إعلامية تحترف تزييف الوعي وتصدير مظلومية مصطنعة، حتى باتت مهمتها تشويه كل صوت ينادي بالمحاسبة، ولو كان هذا الصوت من داخل البيت الكردي.
فحين تتجرأ وزيرة المالية الاتحادية على المطالبة بتوضيح الإيرادات، تُتهم بالشوفينية. وحين ينطق نائب كردي بالحقيقة، يُخوَّن ويُستهدف. بل امتد الخطاب حتى إلى الأحزاب الكردية المعارضة، التي تُحاصر وتُخوَّن لأنها ببساطة تطالب بالعدالة داخل الإقليم.
لا أحد ينكر أن الخلافات بين أربيل وبغداد قديمة، ولكن لا أحد ايضا ينكر أن الحل يبدأ بالشفافية لا بالمظلومية، وبالصدق لا بالاعتماد الأبدي على الدعم الأمريكي. لقد آن الأوان لنقول بوضوح: لا يمكن أن تُحل أزمة الرواتب في الإقليم دون إخضاع صادرات النفط والمعابر الحدودية والمصافي للمراقبة الاتحادية، وفقا لما ينص عليه الدستور.
ويمكن أن ينطلق الحل من :-
1. تشكيل لجنة اتحادية - كردية مشتركة مهمتها تدقيق الإيرادات والمصروفات في الإقليم وفق قاعدة بيانات موحدة وشفافة.
2. ربط الرواتب في الإقليم مباشرة بوزارة المالية الاتحادية كما هو الحال في باقي المحافظات، لضمان التوزيع العادل بعيدا عن المزاج السياسي.
3. تشريع قانون اتحادي لإدارة الموارد الطبيعية يُنهي فوضى التفسيرات الدستورية ويضمن التوزيع العادل للثروات.
4. إطلاق منصة رقمية شفافة لعرض حركة الأموال في الإقليم تُخضع كل دينار للمحاسبة والمراقبة.
5. فتح ملفات الفساد في الإقليم بلا خطوط حمراء، وتمكين الأجهزة الرقابية الاتحادية من أداء دورها.
إن من المعيب أن يستمر شعبٌ عريق كالشعب الكردي رهينةً لأجندات الحزب الحاكم، وأن يُستخدم الإعلام كسلاح لإسكات صوت الحقيقة. فالتاريخ لا يرحم، والحقائق لا تموت، والعدالة ستصل، ولو بعد حين.
#العراق
#كردستان
#النفط
#رواتب_الموظفين