بقلم: أحرار الدعيجي
في مشهدٍ لا يخلو من التوتر والمفاجآت، يعيش العراق واحدة من أكثر الفترات السياسية حساسية منذ سنوات، وسط سباق محموم بين القوى الشيعية نحو اقتسام السلطة قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني المقبل. وخلافا للمألوف، لم تكن التفاهمات داخل “الإطار التنسيقي” سهلة هذه المرة، لا من حيث التوقيت ولا من حيث الأطراف، بينما تتشابك الخيوط بين الحسابات الانتخابية، وطموحات السلطة، والضغوط الإقليمية، وعامل الحيرة الصدرية.
- المالكي يخسر أرضه داخل البيت الشيعي
في لحظة لم تكن في حسبان أحد، بدا أن نوري المالكي، زعيم “دولة القانون”، فقد كثيرًا من قدرته على التحكم بإيقاع اللعبة السياسية داخل الإطار التنسيقي. محاولاته لتعديل قانون الانتخابات – وهو القانون الذي لطالما استفاد منه – اصطدمت بجدار صلب من حلفاء محمد شياع السوداني، الذي بات يملك كتلة نيابية قادرة على إفشال أي محاولة لتغيير القانون بمجرد الانسحاب من الجلسة. 50 نائبا موالين لرئيس الوزراء قلبوا معادلة البرلمان، ووضعوا المالكي أمام واقع جديد: لا نفوذ مطلق، ولا توافق سهل.
- السوداني… من رئيس “توافقي” إلى مرشح صدامي
الإعلان العلني لترشح محمد شياع السوداني للانتخابات، بدا وكأنه قنبلة سياسية داخل “الإطار”. فالرجل، الذي وصل إلى رئاسة الحكومة بدعم من التحالف الشيعي، التزم – أو هكذا ظنوا – بعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، إلا أن إعلانه قلب الطاولة على الجميع. السوداني لم يعد ذلك “المرشح التوافقي”، بل خصم مباشر، طموح، يحظى بدعم نواب من السنة والجنوب، ويجيد اللعب في الهامش السياسي بعيدا عن قبضة المالكي والحكيم.
- رسالة الرئيس التي فجّرت جسور التواصل مع الصدر
في محاولة بدت غريبة في توقيتها ومضمونها، أرسل رئيس الجمهورية رسالة خطية إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يدعوه فيها للعدول عن مقاطعة الانتخابات. الرد الصدري كان قاسيا، وشكّل صفعة للإطار التنسيقي أكثر مما كان موجّهًا لرئاسة الجمهورية. الرسالة لم تفتح نافذة تفاهم، بل أغلقت أبواب التفاوض، وأحرجت الإطار في وقت كان لا يزال يحاول استمالة التيار عبر مقترحات مثل تعديل توزيع المقاعد لصالح أصحاب أعلى الأصوات. من أقنع الرئيس بهذه المغامرة؟ لا أحد يعرف، لكن نتيجتها كانت واضحة: تجميد أي أمل في تحالف انتخابي مع التيار.
- صراع اللحظة الأخيرة: قانون الانتخابات و”صفقة حلبجة”
في موازاة كل ذلك، كانت كواليس البرلمان تشهد معارك صغيرة ترسم الصورة الأكبر. تمرير استحداث محافظة حلبجة رغم غياب النصاب، والتصويت على موظفين بدرجات خاصة، أثبت أن السوداني لا يُجيد فقط كسب تحالفات، بل يفرض أجندته أحيانا على من عيّنه. وهي رسائل قرأها المالكي ومن معه جيدا، وبدؤوا بإعداد “رد” لا يُعرف شكله بعد، لكن المؤكد أنه سيظهر “في اللحظات الأخيرة”، وربما يكون عبر لوائح جديدة، أو تحالفات عكس التيار.
- التيار الصدري خارج المشهد… لكن ظله حاضر
ورغم انسحاب الصدر رسميا من سباق الانتخابات، إلا أن حضوره لا يزال طاغيا. الصراع الحالي داخل البيت الشيعي يتمحور في جانب منه حول “الفراغ الصدري” في البرلمان، وكيفية ملئه. وتدرك القوى التقليدية أن أي انتخابات لا تشمل التيار ستكون ناقصة الشرعية، وقابلة للانفجار بعدد من المفاجآت، سواء من خلال الشارع أو صناديق الاقتراع.
- ما بعد السوداني ليس كما قبله
السوداني لم يعد “مرشحهم”، بل صار “مرشحا ضدهم”. المالكي خسر كثيرا، والصدر يراقب من بعيد، والحكيم يتمسك بالقانون الحالي كمظلة توازن، فيما الجميع يستعد لليلة أخيرة من التفاهمات أو الانقسامات، في سباق محموم لا تُعرف نتائجه بعد. لكن المؤكد، أن انتخابات تشرين الثاني 2025 لن تكون مثل سابقاتها، وأن المشهد العراقي يتجه نحو ولادة خريطة سياسية جديدة… قد لا يكون فيها أحد رابحا بالكامل.