كتب : المحرر السياسي
تتحرك الرمال الانتخابية في العراق بهدوءٍ ظاهر، ولكن باطنها يمور بالتحولات والتفاهمات والانقسامات. فالمشهد السياسي عشية انتخابات تشرين الثاني 2025، لم يعد يشبه ما كان عليه قبل عامٍ أو حتى بضعة أشهر. ثلاث كتل أساسية ترسم ملامح الاصطفاف الجديد: تحالف السوداني، وقائمة بدر وحلفائها، وحراك العبادي المدني.
- السوداني: العزف المنفرد على وتر الدولة
يبدو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عازماً على خوض الانتخابات القادمة تحت لافتة “البناء والإعمار”، متحررا من قيود التحالفات التقليدية التي رافقته في تشكيل الحكومة. اختار طريق “المنجز”، مؤمنا أن رصيده الشعبي الذي بناه خلال عامين من الحكم، كافٍ ليؤمن له تفويضا انتخابيا مستقلا. يتحرك السوداني بثقة، يرتكز إلى سجلّه في الخدمات، وعلاقاته الدولية، وتحالفه غير المعلن مع الشارع المتعب من الانقسامات القديمة.
لكن هذا المسار محفوف بالمخاطر؛ فالساحة الانتخابية العراقية لا تُكافئ دوما الأداء التنفيذي، بقدر ما تميل لتوازنات القوة، وشبكات النفوذ، والقدرة على الحشد الانتخابي. فهل ينجح السوداني في اختبار السياسة الصعبة وهو “رجل الدولة” الوحيد الذي يراهن على نفسه؟
- بدر… العودة إلى الجذور
في المقابل، تميل منظمة بدر، بقيادة هادي العامري، إلى خوض السباق بقائمة منفصلة تحمل ملامح خطابها العقائدي والتنظيمي. ترافقها في هذا التحالف كتل وزارية وفصائلية صغيرة تشترك معها في الرؤية الأمنية والسياسية. هذه العودة إلى “الهوية الأصلية” لبدر تعكس رغبةً في استعادة العمق الجماهيري في المناطق الشيعية، حيث تشعر المنظمة أن تمييع خطابها في تحالفات واسعة أضعف حضورها الشعبي.
مع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تضع بدر أمام تحدٍ مزدوج: الحفاظ على نفوذها داخل الدولة، وعدم التفريط بجمهور تقليدي بدأ ينظر بقلق إلى محاولات التجديد والاقتراب من لغة الدولة الحديثة التي يمثلها السوداني.
- العبادي… على خطى “تقدم مدني”
بعيداً عن معسكرات السلطة، يتحرك حيدر العبادي بهدوء لبناء تحالف مدني – إصلاحي، يضم قوى مثل إياد علاوي وأسامة النجيفي وعدنان الزرفي، مع حوارات لا تزال جارية مع بعض مكوّنات “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم. تشير المعطيات إلى أن العبادي يبحث عن “قوة وسط” جديدة، تتجاوز الاستقطاب الشيعي التقليدي، وتعيد إنتاج الخطاب المدني الذي طمح له منذ أيام “النصر”.
لكن هذا المسار مرهون بنجاحه في اجتذاب جمهور لم يعد يثق بسهولة بالشعارات الإصلاحية. فضلا عن أن تحالفا كهذا سيحتاج إلى تمويل، وآلة إعلامية، وقواعد تنظيمية لم تتضح معالمها بعد. أما علاوي والزرفي، فكلاهما يمتلك رصيدا في الذاكرة الانتخابية، لكنه يحتاج إلى تحريك.
- ملاحظات على الهامش… وتحولات تحت السطح
ما يجري خلف الكواليس لا يقل أهمية عمّا يُعلن. التيار الصدري لا يزال في “الكمون السياسي”، ولكن جمهوره حاضر بقوة. المالكي لم يحسم خياراته بعد، لكنه يترقب التحالفات الأخرى قبل أن يقرر شكل مشاركته. الأحزاب الكردية تتجه إلى استنساخ تحالفاتها السابقة، وإن بتوازنات جديدة. والسُنّة منقسمون بين من يبحث عن تحالفات عابرة للطوائف، ومن يتمسك بالخريطة التقليدية للمحافظات.
باختصار، نحن أمام انتخابات قد تحمل مفاجآت لا تصنعها فقط القوائم الكبرى، بل ايضا القواعد الشعبية الصامتة، وشباب تشرين، وتحالفات اللحظة الأخيرة.