بقلم: احرار الدعيجي
هي صورة، لا أكثر، لكنّها قصمت ظهر الحكومة، وأحرجت رئيسها في عمق بيئته، ونكأت جراحا لم تندمل بعد… صورة جمعت رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني برئيس سوريا الجديد، أحمد الشرع، المعروف سابقا بكنية “أبو محمد الجولاني”، من قلب العاصمة القطرية، في زيارة قيل إنها “خاطفة”، لكنها أصابت كثيرين في صميم كرامتهم.
في لحظةٍ رمزيةٍ شديدة الوضوح، انكشفت حدود اللعبة، وتجلّت سياسة الخطوة مقابل الخطوة، ولو على حساب الدماء والذاكرة، ولو بمصافحة مرتجفة مع قاتلٍ بالأمس، رئيسٍ اليوم.
ما بين الواقعية السياسية والانحدار الأخلاقي، تقف الحكومة في زاوية ضيقة، تطارد اعترافا اقليميا وتلهث وراء مشهد الاعتدال، فيما تغفل أن في الذاكرة صورا لا تُمحى، وأن في الحناجر صرخات لا تسكتها دبلوماسية ولا تخفيها مجاملات.
نعم، يُقال إن السياسة لا تعرف العداوات الدائمة، لكن ماذا عن الثوابت؟ ماذا عن المظلومية؟ ماذا عن جنوبٍ ما زال يحتضن قبور شهدائه الذين ارتقوا على أرض سوريا؟
وبين زيارة لم يُعلن عن توقيتها، وصورةٍ لم يُصرّح عن سياقها، بقي الشارع متروكا لعاصفة من الأسئلة، وجرحٍ مفتوح على مصافحات لا يعرف لها تفسيرا، سوى أن دبلوماسية الانتخابات لا تعرف كرامةً ولا تحترم دماء.
فهل يستفيق السوداني من غيبوبة الواقعية قبل أن تضيع عليه البوصلة؟ أم أن الصورة كانت أوضح من أن تُفسَّر، وأبلغ من أن تُنسى؟
لكنها لم تكن مجرد صورة..
كانت اعلانا صامتا عن تبدل الأولويات، وسحبا بطيئا لغطاء الشرعية الشعبية من تحت أقدام من جاؤوا تحت عنوان “حماية العقيدة والدم والمقدسات”.
فأي عقيدة تُحمى بمصافحة من لوّث يديه بدماء الأبرياء؟
وأي مصلحة وطنية تُبنى على تصالحٍ مع رجلٍ لم يُبرّأه أحد، لا في الشارع العراقي ولا في وجدان ذوي الشهداء؟
نعم، قد تقول لنا الحكومة إن اللقاء جزء من جهود خفض التوتر الإقليمي، وإن العراق يسعى ليكون جسرا بين الضفاف المتصارعة… لكن السؤال الحقيقي: جسر إلى أين؟ وعلى حساب من؟
فاللقاء الذي جرى هناك، في الدوحة، لم يكن بلا ثمن…
ولا يُمكن لابتسامة بروتوكول أن تمحو صور نعوش حملها أبناء الجنوب من مطار بغداد إلى مدنهم الطافحة بالفقد.
وإن كان السوداني قد حسب أن هذه الخطوة ستمنحه رصيدا لدى الخارج، فعليه أن يراجع رصيده في الداخل اولا… قبل أن يجد نفسه وقد خسر الاثنين.